الأحد، 21 ديسمبر 2014

مدينة القطط

أحداث هذه القصة خيالية وأي تشابه بينها وبين الواقع فهو من قبيل المصادفة:










مدينة القطط 

عتمة شديدة في زقاق بالكاد يبدوا فيه قط كهل من أمامه قط ضخم بعيون حادة، الكهل بهدوء يقول :"فعلت ما بوسعي سيدي! كل ما فعلناه لنلم أطراف المدينة كما هو مخطط ونجمع القطط كان على ما يرام حتى اللحظة الأخيرة لكن...
- "مياااو! لا اريد المزيد.."


في صبيحة أحد الأيام قبل عام القط1 مستلقٍ،كان أكثر القطط كسلاً وإهمالاً، توجيهات "الوالدة قطة" غالباً ما تصيبه بالإحباط، أكثر جملة تقولها له "انظر اخوك قطقوط هل هو مضطر أن يبقي لك حصة من الجرذان التي يصطادها كل مرة، تحرك هيا!! القطط وصلت برج الجمام وانت نائم!"

لا يرى في نفسه إلا قط فاشل، يشعر بالاشمئزاز حين يفكر باحتمال أن يصبح مثل "القط سكران" دائماً مستلقي قرب مكب النفايات، يمكن أن يموت إن لم يشتم عظام السمك، كل الندوب فيه والعلل بسبب بحثه المضني عن عظام السمك، ليس من السهل لو تعلمون كم يتطلب سحقه، ولا يمكن لأحد الاقتراب منه بعد شمه دقيق السمك حتى آخره، يكون الأكثر عصبية وانتشاءً.

في أحد الأيام كان يتجول في الجوار، كل القطط متحلقة حول القط2، شكله يفرض الاحترام له، قط يبلغ 8 أعوام ربما هو الأكبر هنا، لم يره متسخ يوماً، كان وقوراً حتى في مواءه وخطواته، ولم يره أيضاً يخوض في مشاجرة إنما كانت القطط تستدعيه لفض النزعات القططية.

اقترب محاولاً إرهاف السمع لما يجري هناك، المواء عالٍ ويحاول القط2 القول بأن هذا المدينة ليست إلّا معبر إلى مدينة القطط العظيمة، هناك يحبس البشر فوق شجرة عالية، تحرسها من الأسفل قطط عملاقة بمخالب معدنية، وفي أعلى الشجرة توجد قطط مجنحة تستمر بخمش جلودهم.
هناك أيضاً، لا يوجد من يلاحق القط ويعكر نومه، ولا فرق بين القط الشيرازي أو الحبشي أو ميست أو البالينيزي أو البومباي أو البورميلا أو السيبيري أو التونكينيز أو الهيمالايا أو الماو ولا حتى الشانشيلا. كل القطط على قلب قط واحد شهقت وأتبعت بالمواء الخافت.

صعّد بمواءه القط2 قائلاً "من يريد أن يذهب إلى هناك؟" اختلطت أصوات القطط، حتى القط1 تحمس جداً. أكمل القط2 بنبرة حازمة "هل تظنون أن قط كسول سيصل هناك؟ هل تظنون أن قط متواطئ يسمع للقطط الغريبة بالولوج لمنطقتنا سيحصل على قطط صغيرة تنفذ طلباته وتحضر له الطيور والجرذان السمينة؟! هل تظنون أن قطاً يخالف ما عهدناه نحن القطط واعتدنا عليه ستأتيه هناك بقرة وتدر عليه بقدر ما يشاء من اللبن؟؟!"

خفت صوت القطط، سرعان ما عاد القط2 للصراخ فيهم "بالطبع لا، بقدر ما نلتزم بقدر ما يحصل كل منا هناك، أتمنى لي ولكم أن نكون كلنا قططاً جيدة مطيعة ونحصل على كل ما نريد من طعام وراحة في مدينة القطط البعيدة، وأوصيكم لا تحزنوا على من مات من قططنا في معاركنا مع القطط المغفلة في الحي المجاور، لأن القطط التي تموت ستذهب مباشرة لمدينة القطط"

لنأخذ جولة في ذهن القط1، لنرى ما يفكر فيه، اربطوا الأحزمة...

"لا بد أن أقابل القط2 غداً حين يعود، الآن الأهم أن أتخلص من الصداع الذي ظهر فجأة، وحتماً لن أبقى ذلك القط الكسول، سأجعل أمي والجميع فخورين بي. كما يجب أن أتوقف عن التفكير بالتفاهات التي تشغلني لأن هذا الحي مكان تافه لا يمكن إصلاحه، والعيش مع الآخرين بسلام فكرة مستحيلة أصلاً، أيضاً ما تقوم به القطط الشيرازية من استعراض لمواءها يبعدها على دخول مدينة القطط إلا بعضها طبعاً، لا أتخيل كم كنت أحمقاً حين ظننت انني يمكن أن أذهب إليهم حيث يمكن أن أتعلم المواء باحتراف"
"رأسي يؤلمني حقاً!!!" طرااخ طرااخ

ذلك المجنون ضرب رأسه بالحائط اضطرنا للخروج، يبدوا رأسه بحال أحسن الآن، مع أننا لم نسبب إزعاج، صح؟



مدهشة السرعة التي أصبح فيها القط1 تابع مخلص للقط2، وفي اللقاءات الكبيرة كان القط2 يشيد بالآخر ويمدحه أمام الجميع. الأشهر التالية لهذي الأحداث كانت الأكثر عنفاً في المنطقة، حتى نحن البشر سكان المنطقة لم نتمكن من النوم جيداً، تطلب الأمر أحياناً تدخل من رجال الحي ليلاً ليوقفوا الضجيج والمعارك. 

كانت القطط في الجانب الآخر تقول أن "القط سيمبا" الذي يحاول أن يكون وسيطاً، هو من يؤلب ويعبئ قطط هذا الحي ضدهم، الحياة أصبحت كئيبة جداً هنا ولا يشعر أي أحد في الجانبين بالأمان حين يسير وحيداً.
(هناك شائعات تشكك بوجود علاقة خفية بين القط سيمبا والقط2)

أم  قطقوط ليس لديها عمل تقوم به إلا الحديث عن بطولات ابنها القط1 للجارات، تقول أنها كانت ترى أن قطقوط الكبير أفضل منه، لكنه الآن أحد قططه القوية في الميدان. في الجلسة الأكبر من نوعها لقطط الحي الإناث، في بيت أم قطقوط طبعاً، كانت تقول لهم كيف بمعجزة استطاعت الوصول لحدود الحي لتوصل الطعام لأبناءها والقطط الأخرى، انتقت لهم أفضل ما وجدت في مقلب القمامة، ولم تبق للبيت شيئاً.
تقول لها قطة أخرى "لو كنت مكانك ما امتلكت الجرأة للقيام بهذي المخاطرة" فتردها فوراً أم قطقوط بضحكة قصيرة "حين كنت قطة شابة لم أكن أخشَ شيئاً وفي موسم خطبة القطط، لم أكن أرضَ إلا بأوسمهم وأقواهم طبعاً!"
قالت لها قطة ثالثة :"لكنك أنجبت قطقوط وقط1 من "القط كامل"، وهو أوهن القطط هنا ومصاب بالجرب منذ أبصرت النور"، بنبرة كلها حكمة وهدوء وهي مثبتة نظرها على الأخرى ردت "لكنك لم تري قلب أبو قطقوط، إنه قط حكيم وطيب، وهذا يفوق الوسامة والقوة ألف مرة".

دعونا من القطط الثراثارات، إلى الجبهة المشتعلة، الكل منهك ومتعب، في العتمة تبدوا الأمور أوضح والآلام أشد إيلاماً للقط1، يشعر بأنه تائه، ويشعر بالذنب لقتله القطط الصغيرة في الجانب الآخر، يتسائل إن كان القط2 محقاً بأن كل القطط في الحي الآخر لن تصل للمدينة الكبيرة حتى الصغيرة منها! معقول؟ لم يذنبوا بأي شيء ولم يقاتلونا بعد.

تحرك مسرعاً في الظلام واختفى، الصباح التالي شهد سكون شديد، وكان الطريق مفتوح تماماً بين المنطقتين، مع أن تدمير الحي الآخر كان على بعد ساعات، ما الذي فعله القط1 وأين اختفى؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق