الجمعة، 26 ديسمبر 2014

الطابق الرابع - الحاجز



الطابق الرابع من جديد

الجامعة من جديد، مبنى KSA يشبه شخص مغرور بجبهة عريضة وذقن بارز، يرتدي نظارة سوداء بطراز قديم، وبدلة سوداء لا يوجد فيها مساحة إضافية.
هذا المبنى نستخدم منه طابقين فقط، وذات إثنين قريب طلب مني أن أقوم بشرح جزء من الكتاب يتحدث عن أصل الشريعة.
المزعج في الأمر أن هذي الجزئية غير موجودة في كتابي، كان لا بد من الحضور باكراً واستعارة كتاب من زميلتي، القاعة الكبيرة تزدحم باكراً ولا بد من إيجاد مكان مناسب للمراجعة والتحضير.
أثناء دخولي مبنى KSA، أشعر بقوة الهواء هناك، أتخيل نفسي فنانة مشهورة، والمصورين مزدحمين على الدرجات يحاولون التقاط الصور، بينما الهواء يحرك بقوة الشال والجاكت الشتوي الطويل. 
المصعد مفتوح، استغليت الفرصة وضغطت على آخر رقم في اللوحة، المكان نظيف وفارغ، الأبواب مغلقة لكن ليست مقفلة بالمفاتيح، الحمام فسيح لا اذكر إن كان يحتوي على مرايا. أما القاعات على شكل مدرجات مصغرة، الكراسي والطاولة والسبورة كلها مغلفة ورائحتها جميلة، بلاستيك ربما، رائحة الأشياء الجديدة دائماً لطيفة ومع الاستخدام يتقاسمها الناس.
لا داعي للحديث هنا عن رهبة المكان والخوف الطبيعي، خصوصاً بعدما أقفل المصعد ولا طريقة لاستخدامه مرة أخرى إلا بوجود المفتاح، لكن الفضول الشديد.
نزلت للطابق الثالث غير مستخدم أيضاً، القاعات مطابقة للسابق، شرحت للكراسي الصامتة، بشكل بهيج جداً، صدى الصوت كان واضح ومرتفع يدعوا للتفاؤل. كان لدي رغبة بتصوير الدرس الافتراضي او تسجيله حتى لكن متاعي الوحيد كان الكتاب.
كذلك لا بد إن زار أحدكم هذا المبنى أن يتفحص المناطق المحيطة عبر الشبابيك الواسعة.
على الدرج في الطريق للطابق الثاني، يوجد حاجز معدني! ممنوع الوصول لما بعد الثاني. لا ادري كيف تجاوزت الحاجز. أمامي مباشرة طويلة بخمار أبيض لا أحتاج أي ذكاءً لأعرف أنها من الأمن. شاهدت الكتاب وهدأ شيء في صدرها.  رجال الأمن في الجامعة سهل تمييزهم من لباسهم، لكن الموظفات ... لا داعي للإكمال.
وصلت المحاضرة وحصلت أشياء كتيرة، جربت اسلوب التمهيد، وأستنزفت وقت طويل ووو..
طبعاً كل الكلام ملوش ستين لازمة، بس كلام.

الاثنين، 22 ديسمبر 2014

وصفة سحرية لتخسيس الوزن



وكأنهم يريدون لنا أن نبقى عالقين في دوامة لا تنتهي من الظنون والوصفات المجربة وغير المجربة. أذكر عام 2010 وإلى الآن حين بدأت المسألة تتضح لي، وقتها خسرت من وزني الكثير بقصد وبدون قصد، أذكر انني اتبعت نظام حياة قاسِ جداً، كنت أشاهد يومياً فلم رعب بعد منتصف الليلة، وإن شعرت بالنعاس كنت أغمر رأسي في مياه باردة شتاءً بالذات، أو أضع بعض الثلج على جسمي، بعد دقائق كنت أشعر بأن جسمي يشتغل، ولم أفعل هذا لغرض صحي أو بدني إنما لكي أبقى مستيقظة لأطول مدة وأن أنجز أعمال بالقدر الأكبر. لاحظت حولي الكثير من الفتيات والسيدات يحاولن إنقاص أوزانهم بشتى الطرق، لم أهتم بعد الوصفات وفهم تركيبها، لأن الأمر كما بدى لي معقد، وكل خبير أعشاب يرى وصفته الأفضل والباقي ضار.


الأمر حزين وبائس جداً، دوامة عملاقة من الآراء المتضاربة والوصفات المتلاحقة، والأدوية، والرياضات والتمارين الفضائية، وقليلاً ما كان ينجح الأمر مع واحدة منهن. لم أفهم السبب وراء الوصفات التي تعتبر سابقاتها مضرة وسيئة وفاشلة، أعلم أن كل شخص لديه حميته الخاصة المناسبة له ولنظامه الغذائي والحياتي، حتى الطبيب المختص لا يمكن أن يصيب دائماً أو أحياناً، قلق لدى البعض واضطراب عظيمين، وإلى الآن بعد التحية والسلام تبدأ الملاحظات من الأطراف تشيد بخسارة بعض الوزن، أو تأسف لبعض الزيادة، وبالمناسبة بعض الإناث تستخدم هذي الخدعة كوسيلة تحطيم نفسية، حين تقول للأخرى أن وزنها زائد بعض الشيء فهي تدمر ثقتها بنفسها، وهكذا تترك الملك عارياً فوق اللوحة والملاحظة التالية تكون هي (الكيش ملك) مثلاً "شو عاملة ببشرتك، معقول خربتيها بالكريمات الرخيصة!" هذي نسفت لوحة الشطرنج بالكامل هه!



أعرف الكثيرين ممن أثر بهم تغيير البيئة أقصد شكلياً، بيئة العمل أو السكن أو تحسن الوضع المادي أو الأهم النفسي، ربما لا تحتاج الفتاة أو السيدة إلى تغيير نظامها الغذائي بقدر ما تحتاج للعمل على تحسين مزاجها وجمع شتات ذهنها، أو ربما تحتاج للقراءة أو الانغماس في نشاط وهواية، وربما التوقف عن عادة ما وتغيير الروتين. 

-أعرف أناس لا تنحف بالقراءة، هناك فتاة أعرفها جيداً وربما تعرفونها ترتبط لديها بعض الكتب بالشوكلاته وهذي مأساة، الأمر لا ينفي أهمية القراءة-

دعونا نوجز الأمر، الوصفات الكثيرة والمتضاربة قبل تطبيقها يجب دراسة فعاليتها مع جسدك، وقبل هذا لا بد لكل شخص أن يفهم طبيعة جسمه، هناك من يتفاعل مع مواد دون غيرها، وتوقيت التفاعل مع المواد التي يتلقاها الجهاز الهضمي، بعض زيادات الوزن تحدث بعد تناول المواد الدهنية بأيام وبعض الاجساد تتعرض للزيادة بعد أسابيع، لذلك يجب فهم طبيعتك لأن لكل شخص طبيعة تختلف عن غيره تماماً، وبالملاحظة الجيدة لا يمكن أن يكون الأمر صعباً.


ثم مكونات الوصفات، يجب دراستها بحيث معرفة محتوياتها ونسبها وإمكانية التحسس منها، المقولة التي تقول بأن الانسان طبيب نفسه صحيحة تماماً، فلن تقع بالخطأ أبداً إن تصرفت بشكل صحيح بالتعاطي مع الأطعمة والعلاجات وغيرها. 


وأخيراً والأهم "معاً وسوياً من أجل مسح التقييم الوزني من أذهاننا جميعاً" لا داعي لأن تكون ملاحظات الزيادة والنقصان موجودة في كاتالوج النقاشات اليومية خصوصاً بين الإناث، نعرف جميعاً أن شكل وهيئة الحوارات التي تسهم في التواصل الاجتماعي تتغير من زمن لآخر، وربما ترون معي أن هذا الحوار أخذ أكثر من وقته!



الأحد، 21 ديسمبر 2014

مدينة القطط

أحداث هذه القصة خيالية وأي تشابه بينها وبين الواقع فهو من قبيل المصادفة:










مدينة القطط 

عتمة شديدة في زقاق بالكاد يبدوا فيه قط كهل من أمامه قط ضخم بعيون حادة، الكهل بهدوء يقول :"فعلت ما بوسعي سيدي! كل ما فعلناه لنلم أطراف المدينة كما هو مخطط ونجمع القطط كان على ما يرام حتى اللحظة الأخيرة لكن...
- "مياااو! لا اريد المزيد.."


في صبيحة أحد الأيام قبل عام القط1 مستلقٍ،كان أكثر القطط كسلاً وإهمالاً، توجيهات "الوالدة قطة" غالباً ما تصيبه بالإحباط، أكثر جملة تقولها له "انظر اخوك قطقوط هل هو مضطر أن يبقي لك حصة من الجرذان التي يصطادها كل مرة، تحرك هيا!! القطط وصلت برج الجمام وانت نائم!"

لا يرى في نفسه إلا قط فاشل، يشعر بالاشمئزاز حين يفكر باحتمال أن يصبح مثل "القط سكران" دائماً مستلقي قرب مكب النفايات، يمكن أن يموت إن لم يشتم عظام السمك، كل الندوب فيه والعلل بسبب بحثه المضني عن عظام السمك، ليس من السهل لو تعلمون كم يتطلب سحقه، ولا يمكن لأحد الاقتراب منه بعد شمه دقيق السمك حتى آخره، يكون الأكثر عصبية وانتشاءً.

في أحد الأيام كان يتجول في الجوار، كل القطط متحلقة حول القط2، شكله يفرض الاحترام له، قط يبلغ 8 أعوام ربما هو الأكبر هنا، لم يره متسخ يوماً، كان وقوراً حتى في مواءه وخطواته، ولم يره أيضاً يخوض في مشاجرة إنما كانت القطط تستدعيه لفض النزعات القططية.

اقترب محاولاً إرهاف السمع لما يجري هناك، المواء عالٍ ويحاول القط2 القول بأن هذا المدينة ليست إلّا معبر إلى مدينة القطط العظيمة، هناك يحبس البشر فوق شجرة عالية، تحرسها من الأسفل قطط عملاقة بمخالب معدنية، وفي أعلى الشجرة توجد قطط مجنحة تستمر بخمش جلودهم.
هناك أيضاً، لا يوجد من يلاحق القط ويعكر نومه، ولا فرق بين القط الشيرازي أو الحبشي أو ميست أو البالينيزي أو البومباي أو البورميلا أو السيبيري أو التونكينيز أو الهيمالايا أو الماو ولا حتى الشانشيلا. كل القطط على قلب قط واحد شهقت وأتبعت بالمواء الخافت.

صعّد بمواءه القط2 قائلاً "من يريد أن يذهب إلى هناك؟" اختلطت أصوات القطط، حتى القط1 تحمس جداً. أكمل القط2 بنبرة حازمة "هل تظنون أن قط كسول سيصل هناك؟ هل تظنون أن قط متواطئ يسمع للقطط الغريبة بالولوج لمنطقتنا سيحصل على قطط صغيرة تنفذ طلباته وتحضر له الطيور والجرذان السمينة؟! هل تظنون أن قطاً يخالف ما عهدناه نحن القطط واعتدنا عليه ستأتيه هناك بقرة وتدر عليه بقدر ما يشاء من اللبن؟؟!"

خفت صوت القطط، سرعان ما عاد القط2 للصراخ فيهم "بالطبع لا، بقدر ما نلتزم بقدر ما يحصل كل منا هناك، أتمنى لي ولكم أن نكون كلنا قططاً جيدة مطيعة ونحصل على كل ما نريد من طعام وراحة في مدينة القطط البعيدة، وأوصيكم لا تحزنوا على من مات من قططنا في معاركنا مع القطط المغفلة في الحي المجاور، لأن القطط التي تموت ستذهب مباشرة لمدينة القطط"

لنأخذ جولة في ذهن القط1، لنرى ما يفكر فيه، اربطوا الأحزمة...

"لا بد أن أقابل القط2 غداً حين يعود، الآن الأهم أن أتخلص من الصداع الذي ظهر فجأة، وحتماً لن أبقى ذلك القط الكسول، سأجعل أمي والجميع فخورين بي. كما يجب أن أتوقف عن التفكير بالتفاهات التي تشغلني لأن هذا الحي مكان تافه لا يمكن إصلاحه، والعيش مع الآخرين بسلام فكرة مستحيلة أصلاً، أيضاً ما تقوم به القطط الشيرازية من استعراض لمواءها يبعدها على دخول مدينة القطط إلا بعضها طبعاً، لا أتخيل كم كنت أحمقاً حين ظننت انني يمكن أن أذهب إليهم حيث يمكن أن أتعلم المواء باحتراف"
"رأسي يؤلمني حقاً!!!" طرااخ طرااخ

ذلك المجنون ضرب رأسه بالحائط اضطرنا للخروج، يبدوا رأسه بحال أحسن الآن، مع أننا لم نسبب إزعاج، صح؟



مدهشة السرعة التي أصبح فيها القط1 تابع مخلص للقط2، وفي اللقاءات الكبيرة كان القط2 يشيد بالآخر ويمدحه أمام الجميع. الأشهر التالية لهذي الأحداث كانت الأكثر عنفاً في المنطقة، حتى نحن البشر سكان المنطقة لم نتمكن من النوم جيداً، تطلب الأمر أحياناً تدخل من رجال الحي ليلاً ليوقفوا الضجيج والمعارك. 

كانت القطط في الجانب الآخر تقول أن "القط سيمبا" الذي يحاول أن يكون وسيطاً، هو من يؤلب ويعبئ قطط هذا الحي ضدهم، الحياة أصبحت كئيبة جداً هنا ولا يشعر أي أحد في الجانبين بالأمان حين يسير وحيداً.
(هناك شائعات تشكك بوجود علاقة خفية بين القط سيمبا والقط2)

أم  قطقوط ليس لديها عمل تقوم به إلا الحديث عن بطولات ابنها القط1 للجارات، تقول أنها كانت ترى أن قطقوط الكبير أفضل منه، لكنه الآن أحد قططه القوية في الميدان. في الجلسة الأكبر من نوعها لقطط الحي الإناث، في بيت أم قطقوط طبعاً، كانت تقول لهم كيف بمعجزة استطاعت الوصول لحدود الحي لتوصل الطعام لأبناءها والقطط الأخرى، انتقت لهم أفضل ما وجدت في مقلب القمامة، ولم تبق للبيت شيئاً.
تقول لها قطة أخرى "لو كنت مكانك ما امتلكت الجرأة للقيام بهذي المخاطرة" فتردها فوراً أم قطقوط بضحكة قصيرة "حين كنت قطة شابة لم أكن أخشَ شيئاً وفي موسم خطبة القطط، لم أكن أرضَ إلا بأوسمهم وأقواهم طبعاً!"
قالت لها قطة ثالثة :"لكنك أنجبت قطقوط وقط1 من "القط كامل"، وهو أوهن القطط هنا ومصاب بالجرب منذ أبصرت النور"، بنبرة كلها حكمة وهدوء وهي مثبتة نظرها على الأخرى ردت "لكنك لم تري قلب أبو قطقوط، إنه قط حكيم وطيب، وهذا يفوق الوسامة والقوة ألف مرة".

دعونا من القطط الثراثارات، إلى الجبهة المشتعلة، الكل منهك ومتعب، في العتمة تبدوا الأمور أوضح والآلام أشد إيلاماً للقط1، يشعر بأنه تائه، ويشعر بالذنب لقتله القطط الصغيرة في الجانب الآخر، يتسائل إن كان القط2 محقاً بأن كل القطط في الحي الآخر لن تصل للمدينة الكبيرة حتى الصغيرة منها! معقول؟ لم يذنبوا بأي شيء ولم يقاتلونا بعد.

تحرك مسرعاً في الظلام واختفى، الصباح التالي شهد سكون شديد، وكان الطريق مفتوح تماماً بين المنطقتين، مع أن تدمير الحي الآخر كان على بعد ساعات، ما الذي فعله القط1 وأين اختفى؟

المدرسة فارغة



الأحداث بدأت منذ زمن طويل، لكن مؤخراً تجري الأمور على نحو غريب، لم يعد أحد لبيته، كلهم في مركز إيواء يفتقر لأدنى المعايير العالمية لمراكز الإيواء، بالأصل هي مدرسة.

فتحت الفصول لكبار الشخصيات، ساحة المدرسة للبقية. أما الأخبار كانت كثيرة ولا يمكن تمييز الحقيقة من الإشاعة، خبر واحد كان يتكرر لداعٍ أو بدون، هو أن الإدرة قررت تفريغ المكان من السكان.

سكان الفصول والمشرفين على المكان، احضروا بضعة باصات ويوم الخروج الكبير، لم يخرج أحد، ربما كلهم بلا استثناء يعرفون أن رصيدهم من الأماكن شحيح.

رغم ذلك الوضع غير مطمئن، يومان فقط وبدأ الذعر الخفي والهوء بالاستعداد للخروج يدب بالناس، وسكان الفصول على رأسهم، عائلتها كانت تستعجلها بالذهاب لكن مهلاً تحتاج أن تحفظ الصور التي في الكاميرا، الكاميرا ليس ملكها، فرغتها على عجل من الصور، شخص واحد هو من يستطيع حمل الأجهزة الإلكترونية، فأسلمت إليه شريحة الذاكرة الصغيرة. 
قبل أن يذهب بالشريحة عرض أن تذهب معهم، وافقت دون نية على أن تعلم أهلها، الأمور تجري أسرع من أي شيء آخر هنا، ذهبت سيارة الإلكترونيات سريعاً، عادت لذويها وجدتهم ذهبوا أيضاً. مصافحات الناس ووداعاتهم كانت مثيرة، ابتسامات وديعة، دموع خفية.

المدرسة خاوية على عروشها، بقيت سيارات كبار الشخصيات تتجهز للانطلاق، مر  أمامها شريط رحلتهم للمدرسة إلى الآن، منذ البدء والدها رفض أن يأخذ أحد الفصول ولم يتملق أحد، الذين تملقوا بشكل مثير للاشمئزاز أخذوا زوايا مريحة في الفصول، بدلاً من العراء في الساحة الخلفية. جارهم في الساحة امه صامتة طوال الوقت ولا يعرف صمتها إلا في حال تجهز له مفاجأة، لابد أنها تنتظر خروجهم من المدرسة لتريه العروس التي اختارتها له، وحين اضطروا للخروج من المدرسة كان مصدوماً فقط.

الخيارات في هذا الوقت قليلة جداً، لا تعلم إلى أين يذهب الجميع، تسمع همسات وصياح وضجيج بالجوار، تسمع كلمات غير مترابطة "معبر"، "بحر"، "نفق"، "الشاطر بشطارته"، وكما يبدوا أنها لوحدها الآن وتأمل أن لا يكون أي أحد قلق عليها، لأنها تشعر بقوة وجسارة كبيرتين وتريد أن تقوم بقفزة كبيرة. تحاول أن تقوم بحساب المخاطر التي يمكن ملاقاتها لاحقاً.
سيارة سكان أكبر الفصول تستعد للانطلاق، تبدوا مزدحمة لكن لا بأس يمكن أن تحتمل شخص إضافي.

الجمعة، 24 أكتوبر 2014

الأنفلونزا والتسوق



الأنفلونزا والتسوق

يعتبر سبب مقنع كفاية أن تخرج للتسوق لتخف العلة، لا بد من بهجة حدودها السماء، في الفترة الماضية اعتمدت على المسكنات وكانت فعلاً ناجعة مع أن أداء مستقبلاتي الصوتية لا تكون في أفضل أحوالها.
التنقل من جنوب القطاع وحتى شماله وحيدة، أمر قد يكون بغاية الجنون، لكنه الأمتع على الأطلاق، ولا سيّما حين أكون محملة بالأكياس من رأسي لأخمص قدمي، ربما تظن السيدة أني أتسوق للبيت، والأخرى تظن أنني في زيارة من منطقة بعيدة.

كثيراً ما يخيفني أن أشتري ما لا أحتاجه، لكن الأسوأ أن يؤثر شخص ما على اختيارك، لذلك ببساطة أشتري لوحدي، غالباً الكبار يظنون أنهم الأكثر خبرة، لكن في موضوع المشتريات اؤمن أن مشتريات كل شخص تعبر عنه، وكل شخص هو جوهرة فريدة في الكون، لذلك الأمر فردي بحت.

الملابس ليست أجمل شيء على الإطلاق، ربما الكتب؟ الكتب عالم من البهجة، لكن بجانب رفوف الكتب تصطف قطع أنيقة قديمة جداً، نسيت أمر الكتب وحدقت فيها مطولاً، العقد الأول أحجار كريمة "أظنه من حجر المرمر" مرصعة بالفضة صدقاً يحبس الأنفاس، وبعدها تمثال مدهش من البرونز، التماثيل أكثر من أعدها، متعب جداً تأملها، أفضل اقتنائها على النظر إليها من خلف الزجاج.

ثم يا للحسرة لا أملك المال الكافي لشراء أرشيف أدبي لندني، صحيح أنني كلما ادخرت مبلغاً من المال أول ما أفكر به هو شراء قطع وكتب جديدة، لكن لا يكفي أبداً أحتاج المزيد.

لدي هوس بتفقد أغراضي التي في الحقيبة كل بضعة دقائق حين أكون في مكان عام، لأن النسيان يعشش في عقلي  أتذكر مرة نسيت ملابس اشتريتها في الجامعة وتذكرتها بعد يومين، وبعدها لجأت لطريقة منبه الأغراض، كل 30 دقيقة يدق منبه يسرد أسماء الأغراض التي أحملها معي. كان مرهق فقررت أن أدون في ورقة كل ما أملك والأغراض الجديدة، أذكر مرة جربت طريقة حفظ المذكرات بالروائح، كانت تجربة طريفة جداً، من المفترض أن أتذكر قصيدة بمجرد أن أشتم رائحة عطر معين، لكن حين رن المنبه نسيت أن عليَّ إخراج الورقة المعطرة من جيبي! وفي كل الأحوال لا أظن أن في هذا الأمر أي  تقصير مني، لأنني أنسى وما باليد حيلة.


الضياع في المدينة..

ربما تبدوا الفكرة مخيفة للبعض، أتعلمون أن بداخل كل شخص منا بوصلة تأخذه لحيث سعادته، كثيراً ما جربت أن أمش لـ لا مكان، وغالباً أمشي باتجاه الغرب وألاقي البحر. ذات مرة كنت ذاهبة لمقابلة صديقة في مكان عملها والطريق بعيد لكن فضلت الذهاب مشياً، شاهدت بنايات عالية جداً، طرق تشبه أفاعي عملاقة تصعد وتنزل وتنحني في منعطفات تغطيها البنايات، وبينما أحدق للأعلى فاجئني صوت زامور عالي من الأمام، كنت سيدة خمسينية في سيارتها كادت أن تدهسني، رددت عليها بابتسامة كبيرة فقالت مجنونة ومضت.


بقي أن أتمنى أن تحزم الأنفلونزا أمتعتها وترحل، وأنتم عمتم مساءً .

السبت، 20 سبتمبر 2014

الطابق الرابع



صعوداً إلى الأعلى، البيوت قريبة والازدحام شديد، أحاول مع أخي أن نصعد البناية بالإمساك بالأخشاب المحيطة بها، لم يكتمل بناؤها بعد. الطابق الأول، الثاني، الثالث، وصلت الرابع هناك شرخ في الخشب وتبدو المسافة أكبر لكن سأصعد. لم أفعل، العالم أصبح ضبابي وخفيف، نمت كثيراً واستيقظت بعدها، هناك آثار بكاء على الوجوه والوقت يمر بسرعة، لم اعد كالسابق.
أمضي وقت طويل في هذا المكان، الأمور تنحدر للأسوأ، ملابسي يأخذها الغرباء بكل بساطة، يعبثون ويحدقون في مذكراتي ودفاتري حتى الحلي أخذوها، ولا أستطيع التدخل. لا أدري كم مضى من الوقت، بالكاد عرفت الطريق لغرفة نومي مضى وقت طويل عن آخر مرة رأيت فيها زوجي وطفلي، لا يمكن استيعاب المنظر، أنا لا أعرف هذي التي تنام في سريري، طفلي يبكي وزوجي غارق معها، أقف أمامه يحدق في السقف ويتخلص من ذراعيها بصعوبة، ذهب ليرى الطفل هدهده ونام معه ثم بكى قليلاً وعاد يحدق في السقف. أفكر بقتله، من هذي التي أحضرها لبيتي؟ وماذا تفعل في فراشي؟ ناموا جميعاً وأنا خرجت، لا وجهة محددة لي، أرى الكثيرين ولكن ليس لدي ما أفعله أو أقوله.
في الصباح خرجت أبحث عن أخي لنتسلق المبنى من جديد، ولكي أعيد الأمور كما كانت. في الواقع من الصعب معاودة فعل شيء فشلت فيه سابقاً لأن الرهبة التي تصاحبه كفيلة بأن تفشلك مرةً أخرى. من جديد الأول فالثاني فالثالث، أخيراً الرابع أحتاج أن أضع يدي على الحافة الخشبية وأسحب جسدي للأعلى، أصبح الدوار شديد، أرى الحافة تبتعد وقد تصل للسماء في طريقها، وأنا سقطت من جديد، لم أنم هذي المرة نهضت بسرعة لأعاود الصعود، لماذا لا يساعدني احد؟ لم أتوقع أن يكملوا حياتهم الطبيعية وهنا أنا بحاجتهم.
لم أعرف أن الأمر يبدوا بهذا الشكل، روتين البشر قاتل، إنهم مشدودون إلى عقارب ساعة كبيرة، العقارب تنتقل مع كل حركة لأرض جديدة تحمل عملاً وحديثاً مختلفان، يتكرر الأمر باستمرار، أجزم أن الساعة تعبت منهم.
تعرفون ما هو الحبس الانفرادي؟ هو مكان تحبس فيه وحدك في زنزانة لا تتجاوز مساحتها متران مربعان، لكن هنا مساحة تتجاوز آلاف الأمتار المربعة، لكن وحدي. لقد خرجت من اللعبة باكراً، لا طريق للعودة، ويبدوا أن الأمر لن ينتهي أبداً.
لا افهم لماذا كل الأشياء تتكرر، حتى الأخطاء. أمرض بشدة من المراقبة الصامتة، وأحيانا من الصراخ غير المجدي، وأعود من جديد للروتين. هذا الواقع لا يرحم، لم يرحم قلب أم ترى طفلها يبكي ويكبر دونها، أو وحدة سيدة دون زوجها، ولا تملك الحق بالاحتفاظ بالممتلكات والأغراض التي تصبح حال رحيلك مشاعاً، واقع جديد حرمها من الأخوة والأخوات والعائلة.
وجودي هناك لم يكن عبثياً، على الأقل كنت أفكر كثيراً وقليلاً أفعل أشياء مفيدة. في اليوم الواحد أحاول الصعود للطابق الرابع ألف مرة، ويمزقني صوت طفلي، كيف أخبره "ماما تسمعك" ؟!


الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

لغة، حرب، وذكريات


كنت أخشى أن أكون متأخرة، لكنه حضر في 10:28، سحابة كآبة تهبط ببطء لكن سأرفعها "تثاؤب"، سمر تحدثني عن الفارسية والشيعة وعلاقتهم بالسنة، نعود يتحدث عن موعد الامتحان النصفي ويبدأ جدال طويل. يقول أن الآخرين في حذف بعض الفصول الموجودة في النصفي مبدأهم خطا.
كيف سيكون نمط الامتحان؟ - الامتحان يشبه الامتحان ، انتهى.
لا أفهم عما يتحدث، أستطيع التعبير بالعربية عما يقول، الآن لا يرغب بأن يعاود الشرح. يقول أنه يستخدم الكتاب لضعف قدرات الطلاب وإلا ارتجل.
بدأنا مصطلحات وشرح سريع، هل يظن أننا فاهمات؟ لو أن الوقت يمشي أسرع ! أحرف الانجليزية ترقص أمامي، والأصوات طلاسم.
وأنا لا أفهم أين أنا وماذا يحدث، لا أفهم شيء على الإطلاق، هل يمكن أن تكون الحرب قد سرقت مني الكثير؟
أفضل الشرود بعيداً، في الآتي وفي معنى كلمة "أعداء" و "جيش" و "حلفاء"، أنا لا أفهم شيئاً، المحاضر يكرر كلمات كثيرة متشابهة، أفهمها جميعاً منفصلة ولا أخرج بمعنى الكلمات متحدة في جمل، كأن ذرات عقلي تقوقعت كل واحدة على ذاتها.
نار حريق في رأسي، والجمجمة يمكن أن تتشقق، تشويش واضح في صوته، لا أظنني سأكمل جملة إن حاولت الحديث مثله، سيصيبني الدوار.
لقد نسيت كل شيء، لا أتذكر ما كان قبل الحرب.
يجب أن تكون الحروف الإضافية التي نزيدها على الكلمات ذات وظيفة في الجملة، لا بد أن يكون هذا هو علم المورفولوجي. حين يصبح جمالاً جميلاً بإضافة ful.
 يمكن للأصوات أن تبتعد أكثر ويزيد الدوار، لكن الصوت هنا ثابت لايدور ولا يقترب ولا يبتعد لذلك أنا ثابتة في مكاني، أنا في أمان.
ما زال الصوت مزعج أحتاج مكاناً خالٍ من الأصوات، الناس يسمعون الأصوات لكن أنا أراها، وهي قوية مخيفة بالمناسبة ومرهقة.
ويصبح الشيء أشياء بإضافة S، ترى من جاء بهذي الفكرة ؛ فكرة الجمع باستخدام رمز دال لا بالتكرار؟ كان ذكياً.
حتى اللحظة حاولت طالبتان طلب توضيح حول بعض النقاط، وعمل جاهداً على أن يثبت أنهما كسولات لا يدرسن أول بأول ولا يفهمن ما يسألن.
ترى ما علاقة الحاضرة بالجمع؟ لماذا جعل ال S دلالة على الحاضرة للفرد، ودلالة على الجمع في كل الأزمان؟ هذا يشبه الين والينغ تماماً.
الفكرة تريد أن تصل على شكل قطعة مستقيمة ناعمة الحواف، وأنا لا أستطيع إدخالها بهذا الشكل، لا يمكن بناء المعرفة بحجارة مصقولة ناعمة، حتى يأتي صاروخ على شكل مناظرة أو مواجهة لحقيقة ما أو وجهة نظر فتحطم بيت المعرفة وقد تسبب أضرار في بيوت الجيران. لذلك من الأفضل جعل البيت أمتن وأقوى، بصنع أنفاق للاحتياط أيضاً بالإمكان بناء ملاجئ في الفص الأيمن والأيسر من الدماغ معاً.
من الصعب إتقان مهنة أو حرفة ما ابتكرها شخص آخر، لأن كل شخص يملك في رأسه كتيب تعليمات مختلف، الأمر عميق لا داعي للشرود فيه الآن.
لقد قصفو المنازل التي تقع على الطرق الرئيسية لكي نتحسر في كل مرة نمر من أمامها، الإنسان فينا يحتضر.
حتى الآن أغض بصري عن المباني المهدمة وأنوي الاستمرار.
الكتابة أمر صعب لا أنكر، لا أرى أن أبجديات اللغات مسلمات للحفظ، أحب العربية وأحب الكتابة بها ولا أحب أن تفرض الانجليزية نفسها عليّ، أحب أبجديات الشرق جداً، أحب ملاحظة تطورها عبر الزمن وأن أكتب كل مرة بنسق يعود لزمن مختلف، امر جميل وممتع. أشعر بأن الانجليزية نرجسية وهذا ينفرني منها، كأنها ليست متفردة بذاتها حفنة من الاقتباسات تفتقد الأصالة، لها منعطفات وأحرفها متناحرة لا تلتحم سوياً، تذكرني بالأرقام العربية المرتبطة بالزوايا، مثلا حرف "B" الحرف العربي "ب" أجمل منه وأكثر تعبيراً عن صوت الحرف، الانجليزي متجه لليسار بخلاف اتجاه صوت الباء والأولى أن تكون دائرة واحدة إن لم تكن ترمز للشفاه، أما "ب" العربية ترمز لاتجاه صوت الحرف للخارج للأسفل وهناك نقطة ترمز لتلامس الشفتين، العربية ولغات الشرق أجمل كثيراً.
أما حرف "س" أظنه يرمز لدور الأسنان بإخراج الحرف حتى الفرعونية تكتبها شبه الرمز "#" متشابه مع العربية - دلالة على الأسنان، ليس رمز عشوائي السين من الأسنان وكلمة أسنان في مقدمتها السين لأنه يخرج منها.
لذلك عالم الأصوات مهتم بالمعاني والرموز، والأمر يشير لتطور اللغة عبر السنين، اللغات الحالية ليست شيئاً مجرداً، ليست شيء يحفظ ويمارس بشكل أجوف، ليس شيء يدرس بسطحية.
أمر محير آخر، اللذين ابتكروا الأبجدية واللغات كانت إنجازاتهم عمل إبداعي متميز وإن كان بطيئاً، لا بد انهم كانوا نوابغ. لكن هل افترضوا أن يكون اللاحقون أكثر ذكاءً لكي يتعلموا إنجازاتهم بحذافيرها؟
لا يجب أن تفرض علينا دراسة كل شيء، كل إنسان يمكن له أن يدرس ما يراعي ميوله، كما لا يحبب إقحام أشياء لا تناسب الميول لحقل محبب.
مناداة الأسماء لمعرفة الحضور، أفكر طويلاً كيف سألفظ كلمة "نعم" وحين أقولها أؤكد أنها بحاجة لتحسين المرة القادمة، هذي المرة كانت حادة بعض الشيء.
لم أحضر الدواء لكن لا يجب أن أتذكر الأمر كي لا أشعر بوعكة، طلاسم طلاسم لا أفهم ما أسمع فقط أعد الكلمات المتشابهة، أصنفها في سلال القش، أسكب عليها الماء وأجففها، وينفذ الماء من الثقوب، أرى إحدى ضفاف النيل كأن أحدهم يلقي درس بالانجليزية عن تاريخ مصر يحوطه رتل من السائحين.
لاحظت أن السبورة لم تمسح بعد، عليها خربشات من آخر محاضرة قبل الحرب، ولا بد للأشياء أن تتوقف عن استحضار الحرب لذهني.

غريب ان "الغناء" تنتهي بساكن، والغناء ليكون غناء يبعد عن السكون، ربما وضعت الهمزة لاحقاً كضرورة. ستنتهي المحاضرة وأخرج للمكان التي تحط فيه الطيور على الدلافين في قلب الجامعة.


الجمعة، 6 يونيو 2014

صور مخفية


بعض المشاهد عصية على التفسير، في لحظة تمنيت لو أن لدي كاميرا ليلية.
بينما أمشي ووالدتي ليلاً، في شوارع معتمة تنتظر عودة الكهرباء، كان كل شيء يكاد أن يكون طبيعي أولاد يلعبون كرة القدم، طفلتين كل منهما تحمل دمية على عتبة البيت، مجموعة من كبار السن جالسين يتسامرون على سجادة مهترئة في ركن من الرصيف.
دون إضاءة سيارة عابرة لن ترى هذي المشاهد ولا أظن أن أي كاميرا بإمكانها التقاط كل التفاصيل الدقيقة التي تتحرك في العتمة.
كل الأصوات خافتة، صوت السيارات والدراجات النارية هو من يحرك الجو، المشهد بكليته لم أستطع تفسيره، ربما إن كانت الأفكار الذي تعشش في العتمة مسموعة الصوت لكانت أحدثت ضجيج أكبر من الشاحنة التي مرت، وربما في مكان آخر الآن نفس المشهد لكن تحت أضواء كاشفة كبيرة جداً ولا ترى بعض الرجال والشباب يجلسون القرفصاء في زوايا الشارع يدخنون، ومنهم من يحتوي رأسه بيديه ويختلس من حين لآخر النظر للعتمة، ربما في المكان الآخر إن انقطعت الكهرباء الآن، لدب الذعر ولشعر المثقفون والواعين في ذلك المكان في تلك اللحظة أن الأمر منافي لحقوق الانسان ويجب أن يعوض هؤلاء الآمنين عن لحظة الفزع وربما سيحاجّون بقصة الطفلة التي كادت ان تضيع من أمها وأصابها الهلع من العتمة.
لدينا لا يمكن أن تحاجج أحد بقصة لطفلة مشابهة، الأطفال هنا يستطيعون أن يتمشوا بالعتمة، ومنهم من يلعبون الغميضة ومنهم من يستطيع رؤيتك بسهولة في الظلام.
في غزة حين تنقطع الكهرباء، تهل اللعنات والدعوات على شركة الكهرباء والحكومة والاحتلال وربما الجيران النكديين، لا بأس إنه قدرك بإمكانك أن تحتسب أمرك عند الله خصوصاً إن كان عليك عمل وجب أن تكمله عبر الانترنت أو تحتاج لإتمامه الكهرباء، لا بأس هي لله.
ثم مؤخراً بدأت تجول بخاطري فكرة أن غزة بذاتها معجزة، كيف تخطت كل هذي السنين وما زالت موجودة؟ أتذكر منذ بداية الألفين حين بدأت أرى الحياة أو لنقل بداية الحصار حين أغلقت المعابر وشحت المواد الغذائية والوقود، حفرت الأنفاق وجيء بالمواد الغذائية والوقود من الجانب المصري، ثم شح الوقود ولم توجد طريقة للحصول عليه أو لتسيير السيارات فجعل الغزي زيت السيرج وقود للمركبات أو غاز الطهي (هل هناك أجمل من أن تفوح من سيارتك رائحة البطاطا المقلية؟!).

 وحين انقطع الغاز عادت غزة لاستخدام البابور والنار والشمبر وغيرها من الوسائل، ثم أزمة الكهرباء التي جعلت الغزي ينظم جدول أعماله حسب جدول انقطاع الكهرباء، فتؤجل كل  أعمال الغسيل والكوي وغيرها لعودة الكهرباء، وأثناء انقطاع الكهرباء يمكن أن تقرأ كتاب أو تفعل ما تشاء من أعمل البيت ويمكن أن تخرج للبحر أو تقوم بالزيارات العائلية لبيوت الأقارب الذين لا تنقطع عليهم الكهرباء في وقت زيارتك، والشباب غالباً يتجهون للمقاهي هرباً من الملل، هناك العديد من الأفكار للتغلب على مشكلة الكهرباء مثل المولد الكهربائي والشمع "هناك ضحايا من الشمع في غزة لذلك قل استخدامه"، أو الكشاف، وهناك اشياء أكثر ذكاءً مثلاً يمكن تشغيل راوتر الانترنت ببطارية الشاحن خلال انقطاع الكهرباء، أو تشغيل التلفاز على أنبوبة الغاز خصوصاً لمباريات كرة القدم المهمة، أيضاً الجار للجار إن كان خط جارك مختلف عن خطك، يمكن أن توصل الكهرباء من جارك حين تنقطع الكهرباء عليك، ويوصل هو منك حين تنقطع عليه.

 إنها مدينة تعشق الحرية تعيش في الظلام، وأجد من الظلم هنا القول بأن السكوت على الظلم أحد مظاهر العبودية مع صحة المبدأ لكن الناس هنا احتملوا ما يفوق التحمل واحتمالهم لا حدود له، ونفاق ساسة السياسة لا حدود له، كيف يخدع الانسان هنا! أو كيف تغلب المصالح على الوطن، لا يمكن أن أفهم ما يقصد أحد حين يأخذ صورة في زيارة مكان الحدث، هل يحاول ان يقنع نفسه أنه فعل ما يجب، أم أنها دليل على حرصه على الوطن، أم أنها تعني انظروا لقد كنت هنا من أجل القضية؟! الوزير والرئيس والجميع يعد الشعب وهمومه أولى أولوياتهم فلماذا يريدون إيصال فكرة أنهم فعلوا عظيماً وما أحسنهم والدليل صورة وووو.. كم نفتقد الأشخاص الذين كانوا يتسابقون على خدمة الناس سراً والسيدة العمياء الكبيرة شاهدة عليهم، دعنا لا نبعد كثيراً لماذا لا يتخذ أحد رئيس الأوروغواي "خوسيه موخيكا" نموذجاً ؟

ولماذا توجد فجوة بين كبار موظفي السلطة الفلسطينية والشعب؟! حتى أن المناضلين أصبح لهم برستيج يجعلهم يتحاملون على فهم الشعب البسيط، أين هم من حياة البسطاء، أجزم أنهم لن يحتملوا ليلة واحدة بدون كهرباء، ثم إن قلت لهم هذا سيذكرونك ببطولاتهم قبل أوسلو، اسمحوا لنا توقفوا هنا، من بعد الألفين جربنا حربين وحصار طويل واجتياحات ووو.. طيب ألا يشعر احد بالخجل في الضفة من موضوع إعادة اعتقال الأسرى بعد تحريرهم من سجون الاحتلال، طيب بإمكانك ان تتأكد من أن الأسير لم يقع في شباك العمالة لكن دون ذلك التعذيب الذي يؤكد أغلب من جربه أن تعذيب الإسرائيلي أرحم؟؟!!

ثم لماذا لم يؤجل موظفو حكومة غزة احتجاجهم على رواتب موظفي السلطة للشهر القادم، لأن حكومة التوافق مسؤولة عنهم منذ أيام وليس من شهر مايو؟! وما الحكمة من أن تخلف حماس خلفها هذا الكم من الخوازيق وترحل ببساطة؟ لماذا التجارة بالدين؟ ولماذا من ليس معي فهو ضدي؟ ولماذا الظلم ووو، ولماذا؟؟
حقاً لا أحب الخوض في السياسة لكنها رغماً عنك تقتحم حياتك.

بالمناسبة أخطأ ميكافيلي حين اقترح على القراء أنك يجب أن تكون "يا ابيض يا اسود"، الرمادي ليس سيئ أوأن تكون بلا لون أفضل أكثر، لست مضطراً أن تكون فتح أو حماس، يسار أو يمين، مرسي أو سيسي، ربما كلهم خطأ ولم تجد نفسك في أحد، أو أنت نفسك اتجاه وفصيل وقضية، فارحمونا من قصة الحكم والتصنيف من كلمة أو رأي فأنتم لستم في عقولنا، وليس لأحد أن يفرض عليك فكرك أو رأيك أو اتجاهك لأنك تمثل نفسك بالنهاية.
تصحبون/تمسون على واقع وحياة أفضل...

تم في 6:20 من مساء السادس من يونيو في العام الرابع عشر بعد الألفين.

الاثنين، 26 مايو 2014

عتمة كونية في غزة | أزمة الكهرباء


وأخيراً اكتب.


أظنني شعرت بالفعل بالقليل من معاني العزل الانفرادي، أن تكون وحدك في زنزانة متر بمترين دون إضاءة أو أحد حولك، يا ويلنا مما يعيشه الأسرى.
هنا لا كهرباء، عتمة من يميني ومن خلفي ومن تحتي ومن فوقي، ولا أرى أطرافي التي أشعر بها..
ربما وصل الحال لأن أشتم نفسي، ثم أحاول ان أحبها وأفكر كيف يمكنني تقبيل نفسي ؟!
ثم عرجت على أفكار فلسفية عميقة مثل: انعكاس أفكار الساسة على الشارع، وهل يمكن بالفعل إحداث طفرة ما لكي تختصر الحداثة طريقها إلينا، حتى الملابس وولماذا ظهرت وكيف؟ ووما هي الأبعاد الأساسية لظهور الفيزون، وإلام يرمز؟
يبدوا أن حجم الخديعة كبير جدا جدا، لماذا سيضرك شخص من بلدك؟ ماذا يقصد بأن يجعلك تعاني من مشكلة الكهرباء مدة ثمان سنوات، هل هناك حقاً ما يحاولون إلهائنا عنه؟

الحياة بالمطلق ميتة تماماً في العتمة، وكأنك بالضبط داخل العدم، حاولت أن اؤمن بالمعجزات، جربت العد للرقم 90 وبالمقلوب أيضاً لكن لم تعد الكهرباء، جربت اختيار ارقام عشوائية 15، 16، 25، و14، لكن عبثاً، خطرت ببالي فكرة بما أن اللابتوب يحتاج لشحن، سأجرب وصله بالشاحن ربما تحدث المعجزة وتفاجئني الكهرباء بعودتها فور وصل الشاحن، لكن عبثاً أيضاً، ما زلت متمسكة بفكرة أن عودة الكهرباء ستكون قريبة وستكون استثنائية، تسائلت لماذا لا يستجيب لي الله؟ و احدق بالعتمة قليلة ثم اعود للعد حتى بدأت أسمع سورة مريم.

سورتي المفضلة، لا أدري لم بدأت بذكر زكريا عليه السلام وهي سورة مريم، تأكدت لي النظرية القائلة بأن الإيمان والعمق الديني متعلق بالرخاء الاقتصادي والمكاني والنفسي، لم أستطع التركيز دون كهرباء وبهذا الحال.

الذاكرة هي المهرب والملاذ، حين تبدأ تقيم صحتك العقلية ولا ترى إلا العتمة، الكثيريون يفكرون بأشياء مخيفة بالعتمة، إحدى جاراتي يخيل إليها أنها ترى ملك الموت في العتمة، لذا لا تستغني عن الشمعة أبداً.
لا مهرب من العتمة، الصلاة حل رائع في كل الأوقات، كان الله أمامي ووجدت كل الإجابات، لكن عبثاً هناك شيء يلفظ أنفاسه الأخيرة داخل القفص الصدري.
حاولت أن افكر كيف أحفظ افكاري من الضياع قبل عودة الكهرباء، جربت أن أطوق رأسي بذراعاي خوف أن تهرب الأفكار، احتفظت بها لخمس دقائق فقط، جربت بعدها أن أرددها بعقلي أكثر من مرة بشكل متسلسل لكي أكتب، ولكن في متاهة العتمة اختلط الترتيب، وتاهت واحدة وانفرطت المسبحة، إذن بقي حل أخير هو الكتابة، ووجدت الورقة وتناولت القلم لأكتب على ضوء الهاتف الذي سيقفل من تلقاء نفسه بعد قليل لأن البطارية شبه فارغة، وحين قالت اختي "ياااااارب!!!" لحظتها عادت الكهرباء !

بعض مني لا يرد أن أنشر ما كتبت، لكن البعض الأخر يريد، الأمر مؤلم حقاً ويجب بأي شكل أن يوجد حل قريب.

وحين أفكر بكل الأزمات والحصارات التي تطوق نفس المواطن الغزي وعقله، والحروب الماضية، والحملات العسكرية المتلاحقة، لا أظن الغزي مؤهل نفسياً ليكون إنساناً حسب النماذج الموجودة في دول العالم المتقدم، ربما الغزي فقد نفسه وإنسانيته، والروح ربما استشهدت في إحدى الاجتياحات أو الغارات، أو ذات انقطاع كهرباء. 

لا أحد  صحيح ولا أحد برئ الجميع يجرم في حق نفسه والآخرين، وكلنا مثل الآخرين، ننتظر معجزة، ربما كانت المعجزة أن يخسف الله الأرض بنا فنحن لم نعد نستطيع الحياة بشكل اعتيادي كباقي البشر، ربما فكرة السفر في العطلة تعد لدى الغزي ترف مبالغ وإسراف في متع الحياة، ينبغي أن تتوب عن التفكير فيه، حتى الاقتصاد والتشاؤم والقلق الذي يسكن بين العضلات الملساء في الأذرع والظهر يجعلك لا تعرف ما تعني الراحة. طيب هل فكر أحد بعمل حملة مساج مجاناً لكل غزي؟ أو جلسات يوغا ما بعد انقطاع الكهرباء وما بعد كل أزمة.
ربما حقاً يحب الله غزة، ليبتلينا بهذا الكم من المصائب المتلاحقة والصبر الذي لا ينتهي، لكي نكون أكثر حكمة ونضجة من باقي شعوب الأرض، ربما !

ما الفائدة من نشر ما تكتب حقاً؟ الأفعال لا تحتاج أقوال لتبريرها، هذا يوحي لي بضعف موقفي ويوجعني، لكنني سأنشر ما كتبت ..

الأربعاء، 21 مايو 2014

لا تخافوا من جواد 2


ضجيج شديد يتناهى لسمع الحارس من داخل مصنع السكاكر، تناول المصباح ومضى نحو الداخل بحذر، الحقيقة أنه في موقع الحراسة الليلية منذ خمسة عشر عاماً ولم يقتحم أحد المكان أو تصدر هذه الجلبة العالية. حتى الأضواء مطفئة، لكن عبوات المواد الخام والسكر ملقاة على الأرض، رأى شيء أبيض وسط الظلام، يقال أن العين البشرية قد تعكس طيف مضيء في حال وجود ضوء قليل جداً في الظلام، بعكس القطط وما سواها التي ترى جيداً فهي تحتاج ضوء خافت لترى الأشياء جيداً، أصبح في قلب المشغل تماماً ما يعني أن الظلام يحيطه من كافة الجهات، حتى ضوء القمر غاب تلك الليلة، ما زال الطيف ماثلاً أمامه، بل إنه يكبر أكثر فأكثر، لو كان انسان فهذا انسان يقترب.
ضحكة مسموعة، كان الحارس يحادث نفسه: منذ متى وأنت يا وائل تصدق الأشباح والخرافات المستهلكة؟ (ضحك مرة أخرى)، ما زال الطيف موجود لكن كأنه لا يتحرك، "- هل اخفته الآن؟"، "- ما زلت يا وائل تفكر بالأشباح!" (ضحكة أخرى)، كيف له أن يميز أنه يحلم أو في الواقع، أتبع الصمت صوت صراخ طفل غاضب:" أين الحلوى ذات الكيس الأحمر؟ أين الشوكلاته المستديرة؟ أريد المارشمالو المخطط بالأخضر.." أجاب الحارس قبل أن يتدارك أن لا أحد هنا سواه والشبح: "هذه الحلوى توقفنا عن صنعها منذ سنوات طويلة، الآن توجد حلوة كثيرة جديدة"، يبدو أن جواب الحارس لم يعجب جواد فأسقط آلة جدل المارشمالو، أصدر الكثير من الجلبة.
لم يلحق بالحارس حين توجه لآخر الرواق مضيئاً المصنع بالكامل، المكان محطم إذن الأمر حقيقي، ترى ما مصدر ذلك الصوت الذي سمع في الظلام، لا بد أن يصوّر المكان بهاتفه النقال، ويحاول أن يرتبه قدر الإمكان، بعض الآلات تحمل كسور خفيفة كان يظنها بجودة ممتازة، متنقلاً بين الممرات، الأرفف، والآلات. وسط جلبة تحريك الأشياء من مكان لآخر هناك صوت بكاء خافت! "هل هناك أحد؟"، هذي المرة طفل متسخ خائف في الزاوية، لديه ألف سؤال في عينيه؟ عاد من الغرفة الجانبية حاملاً بعض الحلوى والشوكلاته، تناول الشوكلاته فبدا عليه المرض، تقيأ معها مادة شبيهة بالنباتات الخضراء، جفل بنظره أمام الرجل، واختفى بلمح البصر.
منذ قدومه تنام الخالة نائلة في بيتهم، نومها ليلاً خفيف جداً تتوقع قدومه بأي لحظة، يكاد يفتك بها الفضول خوف أن يقوم بإيذاء أو ترويع أحد ما، هذه المرة حضر جواد باكراً قبيل الفجر، "ما بك تبكي يا بني؟ هل أصابك مكروه؟" ناولته بعض الماء، لكن يبدو أنه ابتلع بحراً من الطحالب، حاولت أن تدق ظهره برفق كي تساعد، لكن كأنها كانت تمسك نسيج اسفنجي، ارتابت وخافت قليلا، حينها نظر جواد إليها مستطلعاً سر إجفالها عنها، ثم غزت عينيه غربة خانقة وألقى نفسها في حضن الخالة، كان نحيبه مصحوب بأسئلة عن واقعه الغريب، ما زال طفلاً.
أخذت الخالة تهدهده وتخفف عنه وتعده بالإجابة وتوضيح كل شيء، لا تدري ما كانت تلمس من جسد الطفل، لا هو الجسد كمثلنا، ولا هي العظام موجودة، وهو نائم في حضنها لم تعد خائفة، فالأغرب من كيانه الغريب هو وجوده هنا.
- يا خالة! ما قصة الملاهي سمعت الكثيرين يتكلمون عنها؟
- قبل أعوام كثيرة، انتهى اخوتك محمد، باسل، مهند، ولينا من امتحاناتهم، وذهبتم جميعاً مع أمكم للملاهي ...
- اااه، هل تقصدين حين رفضت أن تأخذني معها في الأفعوانية لأنني أصغر من المطلوب، تذكرت نعم
- إن كنت ترغب بالمزيد من الماء الدافئ سأحضر لك المزيد؟
- أريدكِ أن تكملي حديثك، لست جائعاً. "بينما ينظر للحائط بتشتت"
- لقد غرقت في الماء حينها، ولم تستيقظ، كما ابتلعت الكثير من طحالب البحر والنباتات السامة.
- ماذا تقولين!! انتم تركتموني أغرق، ولم توقظوني بعدها؟! ثم عرفت أخيراً سبب الأشياء المقرفة العالقة في بطني وحلقي.
- أنا لم أكمل بعد....
- لم أفهم قصدك يا خالة؟ أصلاً إلى أين يذهب الذين يموتون؟ ربما امي ما زالت موجودة مثلي
...
انقضت ثلاثة شهور على وجود جواد بينهم، كثيراً ما كان الناس يشاهدونه بالقبعة الصوفية الطويلة، والإزار الواسع، يقضي وقته معها في السوق كبقية الأطفال. ويبدوا أنه في القريب العاجل لن يكون ذلك الغريب الذي جاء من صندوق البحر، ربما!
تتوالى الحوادث ولقاءات الناس به، وكلٌ يحدث بما حصل، صمت الطفل غريب وسلوكه تغير فقد أصبح فجأة جواد العاقل بعكس ما تتوقع من طفل صغير.
الخالة هي أقرب الأشخاص لهذا الصغير، أكثر ما يحبه فيها هو طبخها المميز ووصفاتها التي توقف عن عدها منذ زمن، جواد أصبح يستخدم قواه الخارقة في الكثير من الأشياء حتى أن بعض الأشياء الطريفة التي تصادفه يسر بها للخالة، مثل إخفاءه لدمى الصغيرات في الحي، حتى بدأن يشككن بفقدانهن عقولهن، وأحياناً أخرى كانت الخالة تطلب منه فعل بعض الأشياء التي لا يستطيع سواه أن يفعلها، مثلا أن يراقب وهو متخفٍ أين تذهب جارتها أم تحسين، وتبين أنها كانت تكذب فلم تذهب للسوق لكن إلى شيخ يقال أنه يعالج بالقرآن لأجل ابنتها. أما جواد فلم يكن يستطيع ان يرفض لها طلباً.
في صبيحة أحد أيام الآحاد، ذهب والخالة وعائلته جميعاً للبحر، لم يحتج بذلة النجاة ليسبح مع أخوته، مضت الساعات سريعاً، لا أجمل من التراشق بالماء مرة أخرى بصحبة العائلة، أخته أعدت لهم بعض الأنواع من المعجنات والحلويات، بقي والده متربعاً على قطعة صوفية كانت رداءً لخروف يوماً ما، بجانبه الخالة، يتحدثان بأمور سياسية، وما آلت إليه الاسعار أخيراً وإلى أين ارتفعت، بالإضافة لسؤالهم لينا، لِمَ لَم تحضر أطفالها لهذي النزهة، لكنهم ذهبوا مع أبيهم لزيارة بيت جدهم.
بقية أيام الأسبوع التي تلت هذي الرحلة، لم يتوقف جواد عن الحديث عن ما أمتعه وما كان أجمل جزء من الرحلة، يوم الجمعة أسرت الخالة لجواد أنها أعدت له طعاماً مختلفاً عن باقي العائلة، ما جعله يصبر لما بعد الصلاة، وما بعد الغذاء، قدمت له طبق من السمك المتبل، أكل بنهم حتى أتى على الوجبة بالكامل، وانشغل مع الخالة بعدها بتعلم كيفية تنظيف يديه من السمك بحيث لا يبقي على الرائحة فيها.
الحارس في حديقة المدينة انهمك بتنظيف الأوساخ الخضراء التي ظهرت في الممر الخلفي، في عمل كهذا يمكنك أن تتوقع حدوث أي شيء لا سيما أن المكان يعج بالناس من كل الأصناف والأعمار، وهو الوحيد المسؤول عن نظافة هذا المكان، خطرت في باله مرة أن يقيم دورة تثقيفية مجانية للمواطنين، لتعليم آداب التعامل مع القمامة لكن يا حسرته على هذي المدينة التي يحصل كل شيء فيها بصعوبة كما يقول " بطلوع الروح".
التأخير على البيت على غير العادة قد يصيب الخالة بالجنون، لكن هذي المرة والده هو من جن وخرج باحثاً عنه، وعاد به أخيراً، بقي في غرفته متقوقعاً في الزاوية، بدأ بالكلام حين دخلت الخالة بهدوء ترتب الثياب في المكان، واهناً جواد "بقيت طول اليوم أخرج شيئاً غريباً من معدتي، كان يهز معدتي وكأنه يلقيها من سطح بناية عالية لتتحطم على الأرض" أطرقت نحوه بصمت "حتى أنني يا خالتي، وضعت شيئاً من القطع الخضراء في حوض السمك بحديقة المدينة، فطفت كلها على السطح ميتة!!" ردت من فورها :"ماذا تقصد ؟؟" أكد لها أنه لا يقصد شيء، وخرج تلك الليلة حين تأكد له أن الجميع نائمون.
لماذا قد تدس بعض السم في حشوة السمك؟ لماذا قد ترغب بالتخلص منّي؟ والصمت المطبق رد عليه فقط.
استيقظت الخالة ليلاً تشعر بوجود حركة في الممر، خرجت فتجمدت فبهتت، هُيء لها أن شبح أختها يقف في آخر الممر، بدت ملامحها واضحة، عابسة، غاضبة، عاتبة، وكأن سؤالاً يدور "لم لم ترعي الأمانة؟"
فركت عينيها جيداً، وأضاءت المصباح، رغم غرابة المشهد قبل قليل، بدا كل شيء كما كان، وقد غالبها النعاس فعادت لفراشها متثاقلة.
كان جواد يجرب السرعات الجنونية التي قد يبلغها طائراً فوق الأرض بأمتارٍ قليلة، حركات عنيفة شهدها الشاطئ من طلوع الفجر وحتى الصباح، أما في البيت نهضت الخالة فزعة، وضعت شال وجدته بالجوار على رأسها، وهرعت خارجاً صعدت أول سيارة إلى الميناء، فات الأوان وقفت مع المتفرجين هناك.
جواد وصل إلى أقصى حد سمحت به قوته تلك اللحظة حتى خارت قواه في عرض البحر، استلقى متعباً فوق الماء.
في الظهيرة لم تسفر عمليات بحث الصيادين إلى عن بعض أسماك القرش تدور حول بقعة دم كبيرة طافية على سطح الماء، وكأنها ترقص فرحة حول فريسة أو شيء ما.

إلى هنا يستريح جواد وقلمي وتطوى الورقة.

الجمعة، 25 أبريل 2014

التدوينة

الصورة قد تحمل رسالة بلا شك :) 

هذي التدوينة خفيفة لطيفة، خيالية، غير موضوعية وغير محايدة، والأحداث الواردة بها قد تكون خيالية، آه والتدوينة ليست للجادين جداً في الحياة، ولا للعايشين في الشقة اللي قبالهم.


أهــــلاً وســــهــــلاً بــــكــــم فــــي تـــــدويــــنــــة "الــــتـــــدويـــــنـــة"


قبل أن أبدأ بتدوين مدونة لي لأتذكر ما فيها لاحقاً، أحاول تذكر ما حصل مؤخراً أغلب الأحداث التي لا أرغب بنسيانها. بنسيانها، نسى ينسى نسيان ! ؟نسيان" اسم رواية لأحلام مستغانمي، لكني لم أقرأها ابداً ربما لأنني أعرف سلفاً أنها لن تناسب لذوقي في القراءة، أظن.


لا يمكن أن أكثر من الشجن المبتذل لأعبر عن الحالة المرافقة لهذي الأيام، مؤخراً بدأت تهل مفاجآت، أحداث، وصدف كثيرة، لذلك من الظلم أن أحكم بسوداوية، أستطيع أن أرى الجيد والكئيب معاً.


قبل عدة أيام، بينما أجلس في الباص بينما حولي الكثير من المنقبات، بالمناسبة الساعة الثالثة تقريباً تمتلئ الباصات بهن، لأنهن غالباً إن لم يكن لديهن محاضرات، يبقين في المصلى لدروس وندوات واجتماعات إلى نهاية الدوام. المهم أنني حاولت، الطريف أنني اتحدث عنـ"ـهنَّ" وقد كنتُ يوماً منــ"ـهنَّ" (مضحك مثير للاستغراب)، الأهم أنني نسيت ما يسمى "بلوتوث" متاحاً لحظتها عندما انطلق الباص، حاول أحد الأجهزة النقالة الاتصال بي، يبدو أنه ملف، تبعه ملف وملف وملف، ملفات كثيرة أرسلت لي "أميرة بكلمتي" ! كلها كانت صور لأطفال مع أدعية ومنشورات مصورة عن فوائد الصلاة، الزكاة، والكلمة الطيبة، واضح جدا أنها إحدى المنقبات حولي، تقريباً اعرف أكثر من نصفهن ويعرفنني جيداً، كان يجب عليّ أن أنصب فخاً لكي أكتشف من هي "أميرة بكلمتي"، فأرسلت لها عبر "بلوتوث" أيضاً أغنية دينية، واحدة فقط من رفعت هاتفها نحو اذنها وبدأت تسمع، وأنغام انشودتي تصلني، عرفتها وكان ظني في محلي، موقف طريف ولذيذ، تقدمت باتجاهها، وأخبرتها :انا "دينا" في البلوتوث، عرفت اسمها الحقيقي، ورأيت غبطة كبيرة تتسلل إليها، هل لأنها عرفت شخص جديد؟ أم لأنها عرفت الفتاة المجهولة التي كانت تراسلها عبر بلوتوث، أم أنها شعرت بعظمة ما أنجزت بانها أرسلت لي رسائل دعوية ربما أثرت فيَّ أنا التي ألبس جلباب أقصر منها بشبرين تقريباً وألبس شالة فيها الكثير من الأحمر والورد، بعكسها كانت ترتدي أسود طاهر من كل الألوان والأشكال؟؟


ما عليكم، إحداهنّ تلفظ كلمة "تركواز" بشكل عجيب، حتى أنني تصيبني تقلصات فظيعة في جسدي حين أسمعها! لا أقصد السخرية من أحد، ولكن لا استطيع نسيان طريقتها في الكلام، التكلف جلي واضح مفضوح مكشوف، لماذا لا تكون طبيعية سترتاح بالتأكيد، وتريحنا معها.


أول شيء فكرت فيه حين قرر الامتحان أن يبدأ، هل من المنطق أن أجيب بكل جدية على امتحان لا يعلوا عن كونه تسلية أطفال؟ فعلاً كانت الأسئلة سطحية غريبة، تريد أن تختبرنا في القواعد الكتابية، رغبت بالضحك لكن الجدية حينها اكتست وجوه الجميع، والغش ممنوع أيضاً، توكلنا على الله، وجاوبنا أخيراً، أثناء إجابتي وجدت أن الكرسي مُزَيَّت حديثاً فكأنما طلب مني أن امسح فوق حديده برفق، وفعلت، كان كرسي لطيف تحمل هذا الامتحان الطفولي بسعة صدر، جاوبت بكل ذمة وصدق، وسلمت الورقة بعد انتهاء الورقة، لأنني اتخذت الورقة لوحة خاصة لمدة ساعة، ولا داعي لذكر الشق الثاني من الامتحان لدواعي الخصوصية، ولكنه كان محرج وطريف.


الأطرف أكثر هو سخرية القدر، حين يبين لي أنني لست سوبرمان، قد اخطئ في قراءة الوجوه، أو في التشبيه على الناس كما يقولون، وكأن صفحة من جزءٍ سابق يعود للصف السابع فُتحت، ورأيتها أمامي لم تتغير، كان شيء جميل يسكن في عينيها، شفافة أجزم وطيبة جداً، ربما لن ألتقي بها إلا في صدفة أخرى، وهذا ما أريد كي لا أفسد قدسية لقائي بها، كشخص مميز، ولست أبالغ هنا.


والأغرب هي الاسقاطات الفكرية التي يعرضها لي العقل الباطن على شكل أحلام، أشياء مخيفة ولكن ما باليد حيلة، إن كان الباطني مبرمج فالخارجي مبرمج، ويجب عليهما الاثنان أن يتفقا سوياً لن يتنازل واحد للآخر، فالأمر أصبح معقد جداً، كنت أظن سابقاً اللوحات الإلكترونية ووصلات الأسلاك معقدة، لكن حين حاولت أن أتكلم عن الطريقة التي انظم بها أفكاري، أو الطريقة التي أربط بها الحقائق سوياً، أو حتى وصف طريقة تفكيري، بدا أنه الأمر الأكثر تعقيداً في الحياة، أنا أرى الأشياء بغير ما أتكلم بها، أفهم بلغة أخرى، ليس بالضرورة أن أكلم نفسي ونفسي بالعربية أو الانجليزية، هناك لغة الرموز العقل بارع جدا بها، ويبدوا انه مستحيل المستحيلات أن تصفها أو تخرج بعضها للخارج، حتى أنني حين أفكر بالعقل الخارجي الذي يتصرف ويعيش مع الناس، لا يمكن أن أفسر طريقة عقلي بأسلوبي مع الناس.


أنا لست اينشتاين، ولا عبقرية، ولا ذكية حتى، ولست مضطرة لأكون شخصاً آخر، انسانة عادية تحاول أن تستخدم عقلها لأقصى حد، وتحاول بكل جهدها التغلب على الديسلكسيا التي تحط على عيني كفراشة حين ابدأ بالدراسة للامتحان، وليس من السهل أن تكون مراقباً لغريزة التبرير حين تبدأ بالحياد نحو الذات، هذي زلة لا تغتفر برأيي. طيب هل يعرف أحد كيف حال النجوم التي سنراها الليلة؟ لا بد وأنكم تعرفون أنها بعيدة لدرجة أن ضوئها الذي يصلنا، قد يعود لآلاف أو ملايين أو بلايين السنين!


ماذا عن أحلام اليقظة وعشرات ربما ألف سيناريو يقابل كل حادثة تمر، آخذة بعين الاعتبار نظرية الأكوان المتوازية، أحلام اليقظة التي تُقَطِّع حبل أفكاري إرباً إربا. أحاول كثيراً افتراض حدث ما حصل بنهايات مختلفة، أين تقع الأراضي المتشابهة التي تحدث كل نهاية مختلفة عليها؟؟


أما عن الآن لا أدري كم مرَّ علي من الوقت وأنا اكتب لكنها السابعة والثلث مساء جمعة الخامس والعشرين من إبريل، في العام الرابع عشر بعد الألفين، ربما اسم التدوينة جاء من وحي انتظار برنامج الليلة.

هذي التدوينة اهديها لصديقين شقيقين، أحدهما في غزة والشق الآخر بعيد في تركيا، سبيل التي جمعتني بها ذكريات لا تنسى رغم أنني  أحاول نسيانها ولن أكتبها، لكن بينت أنها تستحق أن تكون، كما جمعنا التخصص ذاته وفرقتنا الجامعة، جمعنا نوع القراءة ورغبات كثيرة وفرقنا المكان، أما الشق الآخر عبيدة هو صديق سبقت معرفتي به اخته، أتذكر منه محاولاته للتغريد بشكل طبيعي أثناء توجيهي، ثم الدعاء المكثف له ليسافر للدراسة، ثم الغربة التي بدأت تلتف حوله، والنصوص والعبر الجميلة التي بدأت تهب من هناك، لكما أهدي هذي التدوينة.

أطيب الأمنيات

بيسان