الاثنين، 4 ديسمبر 2017

جوانب ستة


ليس في حياتي ما يستحق التسجيل، عندما تكون في بيت لابد من وجود ركن مجهول، لديّ نماذج كثيرة لهذا الركن، كل واحد نتحدث فيه إلى ما شئنا، يظن الجميع أنني أكثر من النوم لا أفعل في الحقيقة، تؤذيني أشياء ربما لا يلاحظها أحد

الحياة أصبحت قاسية مؤخرًا، ويضطر أي شخص يشبهني لاتخاذ تدابير عرفية في مواجهة السخافات، أصبحت أبقى لمدة طويلة في البيت، كأن كل شيء هنا لديه سعار جنسي، الخروج حرج ولديه أوقات، جارات ينصحن بأوقات وأسباب معينة للخروج حتى لا يساء الظن، واضح أنني وقعت في فخ نصبته عندما نسيت تماماً أنني سأضطر للتعامل مع المحيط يومًا ما، كما لديّ جيران متدينون ليس لديهم مشكلة بالتحرش اللفظي أو النظر الوقح، لست أتذكر استيعابي لكل هذه الأمور لكن أصبحت واضحة وكثيرة، بنفس الوقت إن كانت هذه سمة طبيعية لماذا تسبب الأذى؟ 
جميل أن تلازمك الدهشة لهذا السن، ما زلت أدهش أو أصدم عند تعاملي مع النساء في هذي المنطقة، سطحية وبساطة مريعة، مسكينات جدًا ويبررن فظاعات، الغريب في المكان لسن هنّ طبعًا، في أغلب الأحيان لن يتحدث أحد بهذا المنطق وإن كان يفكر به، المهم لا مكان لمن هم مثلي في أي مكان، ونحن كثر بالمناسبة، ولا أمدحنا أبدًا


لم أتخيل يومًا أن تكون كل هذه القيود والمستقبل الأسود ضمن لعبة، أمس تناول عدد من المغردين قضية الطائرة المخطوفة، لعبة لعبة ... في الحرب وفي كل حرب أو اجتياح كنت أتخيل أن كل شخص حياته مهددة أو يفقدها الآن لديه حلم ومشاريع وأشخاص يحبونه وأخر يكرهونه، خلال الانتفاضة استشهد كثير من أهل الحارة، لاحظت أن الصامتون الهادئون أول من يسقطون في المواجهات، والغاضبون كذلك وأي شخص مظلوم معهم أيضًا، لكن مع الوقت تصبح الأمور عشوائية أكثر، الأطفال الذين كانوا يموتون من رشاشات الدبابة أغلبهم كانوا مجهولين بالنسبة لي "ماعدا واحدة"، تلك العقدة الغريبة التي تجعلك تتجنب أشخاص لأنهم لا يروقونك ثم تندم لاحقًا عندما تكتشف أشياء جميلة فيهم تستحق المعرفة المسبقة، قبل عدة سنوات كنت أجاهد للتخلص من عاديّة الأشياء، وما زالت الأمور على هذي الشاكلة تحصل لأنها هكذا، وربما كنت أعرف مسبقًا أنني لن أستطيع التبرير لأني خلعت العباءة بصعوبة بالغة، صعب إنكار ضعفي في التبرير


الحالة العامة تتغير بسرعة ونتكيف بسرعة، مجتمع الأنفاق هذا أصبح شيئًا روتينيًا، أخبار التهريب وأموره عادية، حارتنا الجديدة مزعجة لأبعد الحدود ولا أطيقها، هناك أمور متوقع حصولها في المناطق الحساسة لكن أبدًا ليس إلى هذا الحد، في بداية سكنانا بينما أمشي من أمام كراج لتصليح السيارات ابتسم العامل بشكل خبيث ونادى باسمي مثلًا، وشخص آخر يرتدي بيجاما بنية مقرفة جدًا وبالية لا تعرف إن كان هذا لونها أو أنها متسخة، ينظر بوقاحة إلى الجميع خاصة الفتيات والنساء ولمبرره كل المنطق بالطبق، وهناك آخران واحد يرتدي تيشيرت بالي لديه عيون جوفاء تكاد ترى من خلالها تجويف الجمجمة الفارغ، ويحيرك جدًا إن كان هذا المليونير يستطيع استخدام ذكاءه إن وجد بهذي الملامح البلهاء أو غالبًا هو متنكر وهو بارع جدًا بالتنكر بالمناسبة، الذي بعده ملفت جدًا يرتدي جاكيت رسمي بلون "كاكي" قديمة جدًا وشبه مهترئة، يتحدث بصوت مرتف كل الوقت عن الله اللذي يحبنا كلنا، ثم نسمع صوته يضرب أنثى ما بالداخل، يأتي إليه شبان يائسون يقولون "وين الله تبعكو؟ ليش ما يشغلني؟" يخشى عليه الأول من الدخول في الكفر ويحذره ويطلب منه المزيد من الصبر، لديه فكرة وأحترمه لأن لديه فكرة، لكن فكرته قذرة للشخص الطوباوي فيّ، هو يؤمن بأن العمل هو العمل بغض النظر عن نوعه، يعني أيًا كانت المادة التي تدخل من نفقك، لا يهم المهم أنك تشغله وتساعد، لست سوى وسيط، أتخيل بهذا الصدد لو ينفجر مفاعل ديمونا مريحًا إيانا جميعًا

كلهم مشتركون بالجريمة، في أحلامي البوليسية رأيت الكثير من الإثارة والمؤامرات، أما الواقع لطيف ومنطقي وإنساني لكن تغلبه الإشكاليات


الأحد، 10 سبتمبر 2017

ثمانية أو سبعة



هذي المرة قررت الجلوس مع فتاة تشبهني تمامًا، حتى لم أعدل ملابسها، إلا أنها باردة جدًا، مجرد مستمعة ولا أذكر أني رأيتها ترمش عيناها أثناء الحديث المستفيض، وحدنا في هذا الفراغ، ظلام من كل الجهات ونحن.
سيارات بعيدة تحدث ضجة، وصوت بصاق عميق مقرف، يبدو من رجل خمسيني يسير بالأسفل، أتمنى يومًا أن يفرض قانون لمنع البصاق في الأماكن العامة، أشعر بقرف يهزني من الأعماق عند رؤية هذي المشاهد، الأفظع أن يكون تعبيرًا عن الاستنكار، خصوصًا إذا مرت فتاة متبرجة أو متعطرة.
بدأ الأمر عندما سرنا سويًا لمحل الحلوى، لم يبدأ في الحقيقة، ولكن اكتشفت الأمر فقط، كنت اعتبره طقسًا طبيعيًا عاديًا، وأمر ينبغي أن يفعله الجميع، واحد زائد واحد يساوي اثنان، الواحد الأول يمكن أن يكون أحمر والثاني أزرق وإثنان أرجواني، نعم هذا ما أقصده، هذا ملخص كل الثرثرة التي سأتسبب بها بالأسفل.
أتصور أن المورفين أحد أسباب سعادتي في هذه الدنيا، أغلب الوقت أشعر براحة عدمية لطيفة، أستطيع تجاهل كل الأشياء، أهرب من الحلول الجذرية في أكثر الأوقات، لا أجدها ذات جدوى بالمرة، ما الفائدة من إنفاق الكثير وأنت ستموت في أي لحظة، عجبي من شخص أنفق الآلاف على إصلاح أسنانه ثم مات في حادث طرق وهو خارج من عند الطبيب، أنظر إلى المسألة على أنها إسراف، كان يمكن أن يتوقف موته في أي لحظة فيستغل تلك الأموال المهدورة بشكل أفضل.
قرأت كثيرًا عن أعراض تعاطي الماريجوانا، هذا جعلني أظن أنهم يتلفون تلك المواد المضبوطة بجانب البيت، دائمًا أضحك بشكل هستيري، لدي تركيز ضعيف جدًا في كل الأمور، قد أوافقك على كل شيء وأنا لم أفهم شيء مما قلت، وقد أوافق على أمرين متناقضين، بحيث يعجبني الثاني ناسية تمامًا أن الأول مر على خاطري أصلًا، اختلفت مع صديقات مرة على اليوم، كنت مصرة أنه الإثنين وهن يقلن السبت، إحداهن كانت تجادلني بشكل منطقي والأخرى مستغربة، عدت وتأكدت من الأجندة، أو حتى حين يقال لي مرحبًا فأقول الحمدلله بخير، هذي أخشى منها جدًا وأركز بشكل كبير حتى لا أخطئ، أما في الجامعة فقد طلب مني أحد المحاضرين الأجلاء أن أحضر نظارته من السيارة ملقيًا إليّ بالمفتاح، نزلت بكل ثقة لأفاجأ بأنني لا أعرف سيارته حتى، كنت أعي تمامًا أن موقف شبيه تكرر لثلاث مرات أمام نفس المحاضرين وخشيت من ردة فعل معينة، أنا لست مجنونة والله، عقلي مشغول بأمور صعبة جدًا.
نعم أستطيع أن أضحك من أي نكتة، خصوصًا تلك التي أتلوها على نفسي، وأبكي بشدة عند المرور بمتنزه برشلونة، أراني عجوز هرمة مريضة هجرها أولادها، وفي طريق العودة عند الكراج الشرقي أرى نفسي رجل أربعيني طويل ونحيل الوجه مكفهرّ تتراكم عليه من الديون حوالي ربع مليون دولار، لذلك يمشي محنيّ طوال الوقت، كل الأمور البائسة التي أفكر بها في تلك المنطقة تجعلني أكره نفسي حين أصل البيت، لأن عند الكراج تحديداً يقابلني دائماً جارنا السابق أبو فادي، يرسل إشارات لطيفة، تحية، سلام، ابتسامة مع حوار قصير، ولا أنتبه لكونه هو جارنا ولفتته اللطيفة إلا بعد عبور الشارع، ألتفت للوراء فأراه منشغلًا في عبوس ما، يتفقد كراسي السيارة أو ينتظر الركاب، كل مرة أفكر بالعودة ومحاولة تبرير بحجة هموم الحياة، والتفكير، الانشغال، أخبار غير سارة، لكن لا يعقل أن يحدث هذا كل مرة.
حين كنا نسير نحو محل الحلوى، كنت أغذ الخطى لكي أحرق من السعرات من سأكتسب أضعافه بعد قليل، ثمة سعادة تجعلك تسير على الغيم، صمدت مدة كافية وامتنعت عنها، الممتنعون عن السجائر ليسوا أكثر فخرًا مني، هناك نوع من الكيمياء بيني وبين أخي الذي خرج برفقتي يجعلنا لا نتحرج عن فعل أي حماقة في الشارع، حين كان يقوم بتمثيل حركات وأصوات وجدنا ولدًا يقلده بجانبنا، لا أدري إن كانت صدفة، في طريقنا سمعنا صوت أذان العصر والمحل يفتح العصر يعني سنكون أول الزوار، وصلنا والكنافة غر جاهزة بعد، دعانا الشيخ للانتظار في الداخل، التقطنا الصور وتفاجأت لوحدي بجاهزية المكان لاستقبال عدد جيد من الزوار، مع التكييف والتهوية، لاينقصه شيء.
أكثر الأمور طرافة هي أن الشيخ المضياف أحضر الكنافة في الساعه 4:49م وحين عاد ليثبت جالون الماء في الثلاجة القريبة، كانت الساعة 4:51م وكانت الطاولة نظيفة تمامًا حتى الطبق في سلة النفايات.
في البداية استغرب أخي، لماذا؟ لأنك سترى أشخاص مختلفين عمّن رأيتهم وأنت قادم، لم يقتنع وأنا ألقيت بهذا التبرير بشكل عشوائي أصلًا، حين مشينا أصر أن نعود من طريق آخر، لماذا؟ لأننا سنرى أشخاص مختلفين، واستمر في التحديق في وجوه المارة في الطريق المختلف ويعد كم وجهًا مختلفًا رأى اليوم، أعجبته الفكرة ومن عينيه كان واضحًا أنه يقلبها في رأسه.
حين جلست مع تلك الفتاة سألتها، لماذا لا أطيق تكرار أي شيء؟ استمرت بالتحديق البارد عديم المعنى، تحضني على الكلام، وهنا أنهيه.

الأربعاء، 6 سبتمبر 2017

مشكلتي مع المقبرة


مشكلتي مع المقبرة
تسكن المقبرة رفات كثير من الأحبة، مثلًا تتجاور قبور جدتي خالي وجدي، في أول مرة زيارة لها ورفات خالي فيها، قررت الامتناع عن تلاوة دعاء المقبرة وتلاوة قصيدة للسهروردي بدلا منه، تدعى ابدا تحن إليكم الأرواح، انتابتني نوبة بكاء مريعة، ولحسن الحظ ذهبت عندما فرغ المكان من الأقارب.
لم أعتد حضور حفلات الزفاف ولا بيوت العزاء، عندما توفيت جدتي حزنت بشكل فظيع ولكن أجبرت على حضور بيت العزاء، وتم القبض عليّ في نوبة بكاء اختبئت بعدها في المطبخ، وحين توفي خالي بقيت في البيت لوحدي، سمعت أغانٍ أحبها، نمت وصحوت، طهوت وجبة طعام تكفي عشرين شخصًا ولم يأكل أحد منها، تخيلته أمامي وشتمته، بأي حق يموت؟ لا أظن أنّي كنت جادة وقتها لأنني بعد ثلاث سنوات فهمت ما يعني أن لا يوجد خالي صديقي بعد اليوم، ولا داعي للحديث عن لحظة اكتشاف الحقيقة.
لديّ اخوال أكبر وأصغر منه، لكنه كان صديقي، دائما كنا نتشاجر ونتصالح، أول شجار يعيه عقلي عندما كنت بعمر الخامسة، كان يهوى قرص خدودي هو طالب الإعدادية، بكيت وصرخت بصوتٍ عالٍ، أسرعت إليّ جدتي، شعرت بسعادة بالغة بينما دموعي تنهمر لأنني أجدت التمثيلية وسيعاقب الآن، لحقه جدي على الفور بالعصاة ورضيت مع محاولات جدتي. لقد تعلم قيادة السيارة في سن مبكرة، وباكرًا التحق في المقاومة، كان يغيب كثيرا عن البيت، الحقيقة انه كان المثل الأعلى لكل الصغار ليس لي فقط، كان مقرب من الكل بدرجة تشعرني بالغيرة، الضيوف والمقيمين في البيت اختاروه موضوعا لحديثهم الذي لا ينقطع، أخباره شحيحة وكل معلومة بسيطة يمكن أن ينسجوا منها قصصًا، مع أننا كنا نتواصل ونتحدث في شؤون الحياة والمبادئ التي نكذب على أنفسنا لنبرر تخطيها، عبر الهوتميل بدايةً ووسائل المحادثة، في أول حرب كان يظهر لدقائق يطمئن علينا بعد نزوحنا إلى بيت جدي، كان يأتي فترة الفجر يسلم على خال آخر يقيم في البيت ثم يختفي. أذكر أنني كنت أنام بعد التلصص على زياراته القصيرة، وهذا ما كلفني الحصول علي أسوأ الفراش وأصلبه.
في الغربة زادت حساسيته، ووجدت التواصل الإفتراضي مجزوء جدًا، المحادثات المكررة وخلاف بسيط جعلني لا أبادر للصلح حتى، بقي هذا الحال لمدة إلى أن وصلنا الحرب الأخيرة.
من الواضح انه كان يحترق ويتعذب هناك، اشتقنا له بيننا فعلًا لكن كنت سعيدة لأننا لن نخاف عليه هذي المرة، وكان من الواضح بعد الحرب أنه يحاول التواصل من جديد، انشغلت في محاضرات متعلقة بالفلك وقررت أن بعد الغد سيكون يوم تواصلي معه، سيكون يوماً سعيداً.
منذ بداية اليوم كان رتيبًا بشكل خانق، كنت أنتظر عودة الكهرباء عصرًا، ثم بدأت الاخبار تهل، أنباء عن إصابة، ليست إصابة لقد فارق الحياة، لا لم يفارق الحياة اليوم بل منذ يومين...!
في المقبرة بكيت كثيراً، ووصلت القبر يا للحظ، وأين هم؟ لا أحد هنا، لا أحد. هل هم بالأعلى؟ أين رائحة جدتي التي تشبه السكر والقمح واللبن الطازج مجتمعات؟ وخالي؟ لا أثر لخفة الظل تلك، المكان بارد جداً، دائماً كان يغضب من السخرية عليه عند نطق حرف الراء، لديه قاموس كامل لكلمات بدون حرف الراء، شتمته مرة أخرى، فلم يصفعني ويضحك ثم يختفي، ساكت جدًا، وهذا جدي الذي لحقه سريعا حزينًا، غير غاضب من حركات الولدنة، أين أنتم يا أوغاد ؟ اشتقت لكم والله، وسأحسن التصرف هذي المرة.
خرجت بقناعة تامة، أن المقبرة لبقايا ليست ذات قيمة، لأني أعرفهم بقلبي. جدتي مثلًا كنت أشعر بوجودها وأستطيع تخمين إذا كانت تحلب الأبقار أو في بيتها تجدل شعرها، تحسست القبر من كل الجهات، لا شيئ مطلقاً، قلبي لم يهتز قيد أنملة، إذن هم جميعاً في مكان آخر، وليس لي إلا ان أحترم القبر بكل الأحوال.
عصرت ذاكرتي لأعرف أين ذهبوا، أستريد ليندجرين تقول إنهم يذهبون إلى نانجيالا يعيشون بسعادة فوق، في وادي الكرز أو وادي الوردة البرية، وتنغل قتله جوناثان والأبطال، غالباً خالي كان معهم في المعركة الأخيرة، جدتي هي ملكة الحمائم ليست صوفيا، والعجوز ماثيوس هو جدي، إليكم الدليل، بعد وفاة جدتي مباشرة جاءت حمامة بيضاء اقامت فوق باب غرفتها وبنت عشًا أيضًا، ما تفسيركم؟ كل عجائز المخيم قلن أنها روحها حضرت لتطمئن وتبقى معنا.
ثم جمعت قطعة من كل منهم، شال جدتي، قداحة خالي، وكوفية جدي، لابد أنها تحمل شيئاً منهم، ثم نحن لطالما تصافحنا وتحدثنا أكيد شيئ منهم هنا.


ملاحظة: أتجاهل تماما احتمال كون الحمائم التي كانت تربيها في الحوش افتقدت من يطعمها وجاءت تبحث عنها.

الجمعة، 1 سبتمبر 2017

دردشة

محررة يوم السبت 27 فبراير 2016


لدي أصدقاء من أغلب الجنسيات تقريباً، اعتدت على ارتياد موقع إلكتروني منذ عدة سنوات، كثيرة هي المحادثات العفوية والطارئة التي ما إن تنتهي حتى تنسي محدثك وماقيل، كنت مضحكة جداً في البداية، ربما كنت الوحيدة التي تسأل عن الدين وتلك الأسئلة الساذجة، غالباً هذا طبيعي جداً، هذا مانتحدث بشأنه، هذي طريقتنا في التعارف.
أنت تنتقل بلمح البصر بين المجرات، أحضر لي دليلاً واحدة يثبت العكس! هذي الحياة كذبة بتفاصيلها والمجمل، وأنت لاتفرق شيئاً عن حشرة التنين التي تحتضر أوالفأر الذي قتلته المصيدة، أجسادنا هشة أكثر من الرماد.
لايوجد أي منطق لامتلاكنا وعي وآمال وأحلام واهداف لامحدودة، مع جسد سريع التلف لن يحتمل ساعة عمل إضافية، وستشعر بلحمك يتفتت إن أكلت خطأً قطعة جبن مالحة، كيف يتيبس جسمك دون أن تشعر حين تبقى واقفاً لساعات تفعل ماتحب، لماذا لانملك جسداً أكثر فعالية، على الأقل يوافق طموح أرواحنا.
المناسبات الاجتماعية مثيرة للتقزز، نحن نزيد بها عزلتنا، لن تحتاج لتشعر بالفرحة بارتباطك أن تجمع الناس، أنت تهرب إلى الناس من نفسك، من الكذبة التي كذبت، ليكذب الناس عليك لتصدق على الأقل كذبتك أو ترتاح لأجلها، فكرة الخطأ الجماعي مريحة جداً.
تخيفني حالياً فكرة التشابه، نحن نشبه فئران هامستر كثيرة في مختبر واحد، نفس الطعام، نفس الظروف، نفس المعاملة والأهداف، ردود أفعالنا قد تختلف قليلاً، لكن نبقى متشابهين سلوكياً بنسبة 99% فيما عدا التشابه الجيني، تخيفني كمية الانفتاح التي وصلت إليها، بابلو يعيش سعيداً منعزلاً في دير ويستخدم الإنترنت لينشر الإنجيل، الكتاب المقدس دون تفسير أو أي شيء، بابلو شخص لطيف، يحب أن يبادر بالاطمئنان من فترة لأخرى، يعدني بانه سيطلب من السيد المسيح أن يتابع خطواتي ويبعد الشرور، إيزي أحبه جداً لم أجد سبباً للطفه في البداية، إيزي من جزر المالديف عاش لمدة طويلة في المملكة المتحدة، وصلها صغيراً كمهاجر غير شرعي، أكمل دراسته فيها وحقق شعبية بين الأوربيين، عرفت أن كل مساعدته ودروسه ومحاضراته لم تكن إلا لأني أشبه أخته الصغيرة التي حرم منها، لم آخذ كلامه بأنه يغير ديانته كل شهر على محمل الجد، لكن أثبت هو، وعرفت أن اسمه كان محمداً قبل الإلحاد والهروب من البيت بسبب ضربه ليذهب للصلاة، إيزي عاش يتيماً تقريباً لكن لايجرؤ أن يتبجح بقصته، يعيش مع أصدقاءه الأوربيين متنقلين بين الجزر خصوصاً في الصيف، ويخصص الخميس للبار، يكثر من الشرب وباقي الأيام لاشيء تماماً، حتى اللحظة أسأل نفسي: ماذا كان يمكن أن أفعل دون المواساة حين خانته صديقته؟ لم أجرؤ على القول بانه يمكن أن يبدأ من جديد ويبحث عن صديقة جديدة، ثلاث سنوات مرت ومازال هو يتعذب، لاسيما أنها تزوجت صديقه الذي وجد عملاً فور إفلاس الشركة التي يعمل بها الثلاثة.
الحياة تسير على نحو معقد في أماكن، وبسيط في أخر، تريستان استئذن المجموعة ليذهب رحلة إلى ماليزيا، كان مستاءً جداً حين منعت حفلات عيدالميلاد، وإيزي ببساطة تجاهل الموضوع، كنت أصغر الموجودين، تريستان لايحب اسمه لأنه يشبه اسم فتاة مدللة، تزوج سريعاً من فتاة ماليزية لقيها صدفة، أتذكر يوم تناقشنا عن نعوم تشومسكي، قرأ تقريباً كل شيء لهذا المفكر، أثار حنقي حين كان يشكو كثيراً من ضغوط العمل واستغلال مديره، ثم فاجئني بتعلمه قيادة الطائرة، والأدهى صوره وهو يحلق فوق سهول وصحارى أستراليا، مرة كان يشكو من فاتورة عيد الميلاد حوالي 700$ من أجل الشجرة والهدايا فقط! لكن يغفر له محادثته مع جندي أمريكي سابق خدم في العراق، الجندي محطم تماماً لأنه فقد كلبه في بغداد ولهذا السبب فقط يكره العرب والشرق الأوسط، ولاأنسى حين كان يحصل على نسخة من كتابي الجامعي حين بدأت بدراسة اللغة الإنجليزية وكان يرسل مقاطع بصوته لكي اتعلم اللهجة مع أنه ورطني باللهجة الأسترالية، ولا أحد منهم معتاد على المصارحة! بدا لي أنني أحرجته حين أخبرته أنه شخص جيد.
الأقرب كان دائماً وأبداً إيزي، مرة كانت صديقة كبيرة في السن من إحدى ضواحي لندن تخبرنا برغبتها بالخروج عارية، لكن متخوفة من بعض الإشكالات في الحي، فنصحها إيزي بأن تشغل الكاميرا وتسير أمام أصدقاءها وتحقق رغبتها، لكن بشرط أن تغمض عينيها بيسان أو تغادر لربع ساعة فقط، اعتدت على اتباع نصائحه حرفياً لأنه بشكل مايعرف ما أكون ومن أين وماذا يعني "من أين" ومترتباتها، كما كان يسير معي بالتدريج في أمور كثيرة.
أزمة كبيرة حصلت حين تعرفنا إلى آدم، بنفس عمري لكن أكبره بشهرين فقط، آدم هنغاري والده متوفى وأمه متزوجة أمريكي ويعيش في المكسيك، المشكلة حين علمت أن هذا الصبي لديه مربين خاصين به، لديهم بروتوكول معين يسيرون عليه، وقال أنه حين يبلغ العام الثامن عشر سيحصل على شيء ما كفرد من العائلة الحاكمة!! إن تاريخ العائلات النبيلة الأوروبية خاصةً في القرون الوسطى أحفظه، وهذا يسير عليه، لكن الواقع مختلف تماماً هؤلاء يصنعون روبوتات غريبة، الأمر أشبه بصدمة، حين عرفت بعض التفاصيل فضّلت أن أتجنب آدم كي لاأخسر مزيداً من الأفكار التي أعتمد عليها.
يوجد هناك بشر من كل الأنواع والأجناس والأديان، شخص آخر بمثل سني لايحضرني اسمه، تشاجر معي "متوقع مسبقاً" بأحقيتهم بالوطن الجديد أو أحقيتنا نحن، كل منا حاول الإثبات، ودخلنا في معركة طويلة للإثبات، حوار طويل طويل أندم عليه حتى اللحظة، لأنه عقيم فقط، ولأن كلينا أحمق، المجنون قال لي: إن مللت من المخيمات يمكنك العودة لبيتك ببساطة تحت حكم الدولة الحالية، لاشيء منطقي البتة بالصراع القائم، هل تبدوا القضية معقدة لغيري؟ هل حاول أي مستوطن في العالم أن ينسب بلاداً له تاريخياً؟

السبت، 29 يوليو 2017

حفلة شواء


لم أكتب منذ مدة طويلة هنا، يفترض أن يكون العقرب والقوس في السماء الآن أيضًا، تخطت الساعة منتصف الليل منذ نصف ساعة، نصف وساعة تتكرر مرتين هااا! أريد أن أتحدث عن الأمس يعني قبل إثنن وثلاثين دقيقة.
تغيرت لم أعد أتحدث بتلك الطريقة الحالمة، لكن الضياع في السماء والأشياء والتفاصيل نفسه، لم أتغير كثيرًا، سرت في طرق كثيرة اليوم ولم أكن في وعيي لثانية واحدة، كنت طوال اليوم أخطب في ناس لا أستطيع تحديد أغلب وجوههم، صدفة كنت في مؤخرة القاعة واستدعاني الشخص على المنصة، أقحمني في لعبة وهي أن أجيب على خمسة أسئلة، كلها أفخاخ كانت، أسئلة تكاد تكون شخصية وهذا يجرح شعوري، أجبت بحنكة كما أعتقد، وكما توقعت أو ربما رغبت الكلام جرّ بعضه، وجدتني في النهاية أثرثر عن قصص طريفة أو غريبة أو مؤثرة، ثم قررت أن أخطب بهم مع دحرجة الحوار طبعًا، تحدثت عن الأبراج الصفات وإن كانت ملتصقة بأي برج، وما هو الأساس الذي يحكم هذا الحكم أو الصفة، تأكدت تمامًا من متابعة البعض لي حتى كيف تدور الأفكار في رأسهم، كيف؟ هو إحساسي الخارق.
الأنانية، الجنون، الإيثار، الصدق، المغالاة، الظهور، الأهداف، تفاصيل كثيرة تنطوي تحت كل صفة، قلت في النهاية بدون مناسبة أننا لو شكلنا عصابة لتكون مثالية ستتكون من الحمل والجوزاء والدلو والعقرب والجدي، حيث يقوم العقرب بالتفكير في أكبر وجبة يمكن الحصول عليها والجدي يخطط لأسهل الطرق وأكثرها أمانًا، الدلو يبحث الطرق المبتكرة والمجنونة أما الجوزاء سيجد الطرق المختصرة نحو الهدف، والحمل لأنه حلقة الوصل بين الجميع سيكون زعيم العصابة، لا لست أميل للحمل، الجوزاء والعقرب أعداء حقيقيين فإن كان أحدهما في الطليعة اعترض الآخر، أما الدلو فلن يفكر بالزعامة، والجدي سوف لن يجد الوقت للمباغتة في أعمال العصابات والتخطيط معًا لما يناسبه مثله مثل العقرب، ثم اقترحت أن نضيف أفرادًا جدد على العصابة، مثلًا القوس الذي سيكون ملك النزوات السريعة والملول مثل الدلو، والميزان الذي سيكون الوغد الأكبر، بمظهره الديبلوماسي الرشيق المتحدث الطيب سيحصل على كل ما نريده، حدثت الجموع أن في داخل كل شخص يوجد شيطان، مثلًا أبناء المريخ الحمل والعقرب من ذا الذي يوقف شيطانهما؟! حتى الأسد والقوس والجوزاء والدلو والميزان، إذن لو شبهنا كل شرير لبرج معين، من سيكون الجوكر؟ أعتقد الدلو وتارة الحمل، ديدبول غالبًا قوس، باتمان عقرب ربما، ودوريان جراي ميزان.
لا أدري أين وصلت في الخطبة الغريبة الطويلة، ذلك ما اتذكره فقط، هذا كله أهون من فكرة استنساخ التنين صاحب الرؤوس الثلاثة، كنت أداعبه أمس وكدت أن أخنقه من شدة اشتياقي، العجوز المجرم احتجزه وبقية الحيوانات في الجانب الآخر من السراديب، وبمعجزة مع "جو..." حررناهم، أمي لا تفهم أن هذه الدهشة في عيناي سببها نجاتنا من الحمم حين قفزنا عليها هاربين، أنّى لها ذلك! 
ليتها تعرف كيف تحطم قلبي حين لم أدعى لحفلة الوداع التي أقيمت في ذلك المقهى الذي يطل على البحر، أكره أن يظهر استيائي وتوتري، لكن بكيت كثيرًا، حتى صديقتي التي أتت لموعدها تركتني وذهبت للحفلة، أختم هذا الشيء بمقولة ديستويفسكي "ليأخذ الشيطان كل شيء".

الجمعة، 10 فبراير 2017

الأنتيكة التي أحب



سمعت أنهم نظفوا بيت جدي، زرته آخر مرة في مناسبة لم يبق مما كان فيه شيء، في عدوان 2008 عندما تضرر بيتنا لجأنا لهذا البيت، أول ليلة نمت في غرفة جدتي، الوسائد والأغطية نفسها، السقف المكسور جعل مياه المطر تتسرب للغرفة لكن اؤكد أنها كانت ليلة دافئة.
لا شيء، جدتي كان لديها عقد مصنوع من عملات قديمة، أثواب مطرزة كثيرة، مكحلة جميلة، وعندما تريدني أن أنام تغني ما تحفظ لموفق بهجت وذياب مشهور، "الجاعد" صوف الخروف لم تكن حساسيتي منه تمنعني من النوم عليه.
الأنتيكة هي قطع ومواد تستخدم للزينة أو الأثاث أو استخدامات أخرى، لها قيمتها العالية بسبب عمرها أوجودتها، والمأنتك هو الشخص الجميل ذو التفاصيل المبهرة، مع كثرة التردد والاهتمام بها أصبحت أستطيع التمييز بين ما أريد وما لا أريد، مثلاً:
-القطع حديثة الصنع التي تباع وتشبه القطع القديمة لايجوز أن تسمى أنتيكة، هذه بلا روح ولا ماضي الانتيكة.
-القطع ذات الجودة المرتفعة تثير الريبة، أين كانت كل هذا الوقت؟
-القطع المكسورة أو غير الكاملة هي شغفي لأن لديها سؤال وبحث ما زال قائم، ولديها قصة كبيرة تخبرها.

-القطع المهترئة والتي لن ترغب باقتنائها وحملها معك، لا ألومك فغالباً سأفعل مثلك لكن تذكر أن هذه صاحبة الذكريات الأكثر زخماً.
-يجب أن تعلم ما تحب وما تريد جيداً، فقد يحصل وتباع أو تؤخد أمام عينيك قطعة ستذوب عليها وتندم طويلاً، من يعلم إن كنت ستموت قبل الوصول إلى ما يشببها مرة أخرى، وتبكي مع الست وترثي رثاء فيروز.
-أخيراً إن كنت لاتهتم ولا تحس بأهمية الأمر، إياك أن تسيء إلى محبي جمع الأنتيكة لأنهم أغلبهم مسجلون خطر.



أحمّل "أوسلو" المسؤولية كاملة على تحويل هذا الإرث بهذي السرعة إلى أنتيكة، قبلها لم أكن لأشاهد الفتيات اللاتي يرتدين الفساتين ونادراً ما تراهنّ حافيات أو يصرفن أقل من نصف شيكل، لولاها لما أكلنا البوظة في الأكواب الرشيقة بين البدلات الأنيقة، اعتدت على تناول الحليب الطازج والمِش والجبنة مع خبز الطابون كلها كانت من إنتاج مزارع ألبان العائلة، في أوقات الملل كنت أهز "السعن" أتعب ولا تخرج الزبدة فأنتقل للجاروشة الثقيلة، بعد مدة بدأت أفكر جدياً أن المخيم مكان غير صحي ومتكدس مع أني كنت أجد الأُنس في صوت الجيران، هل كان عليهم أن يحدثوا كل هذه الجلبة؟