الجمعة، 26 فبراير 2021

ولا تهنوا ولا تحزنوا


 

بعض آيات القرآن تجاوزت كونها آيات فيها النصح والإرشاد أو النهي أو التوجيه. منذ الألفين وبعد توالي الأحداث الصعبة، أصبحت المشاكل والمخاوف أكثر، كل يومٍ شهيد، ومكبرات الصوت كثيرة، كل يوم أسماء شهداء مختلفين، اجتياح جديد، ودعوات لمسيرات مختلفة الغايات. بعد كل حدث يهز القلوب نرى السيارات ذات الأصوات المرتفعة تجول الشوارع وتردد نفس الآية بصوت القارئ أحمد العجمي. فكرة استمداد الطاقة من الله عظيمة، يعني نحن مضطهدون محتلون، فلا خوف علينا ولا حزن، ثم أننا لسنا وحدنا من يمر بهذي الأزمة، في هذي النقطة تسرية كبيرة. وإن كانت تساهم في تضخيم قضيتنا في نظرنا وفي تصورنا للعالم الخارجي، بعضنا يخرج ويصدم من أننا كمن يرقص في العتمة، حزين، صحيح.

إن كنتم مؤمنين، يعني لا حزن إن صدقت بها تمامًا. تكررت الآية على مسامعنا كثيرًا، وارتبطت بأحداث مفصلية، قيلت في استشهاد أشخاص نعرفهم، أو في هدم بيوتنا أو أحداث أخرى قريبة، كل مرة تعاد أشعر بأنني احتجت لأن أسمعها مرة أخرى، فتأتي جنازة أخرى وتعاد الآية. في مرة فكرت وتساءلت إن كان القوم الآخرين الذين مسهم قرح هم نفسهم الأعداء حين تصيبهم صواريخنا البسيطة، ذلك كان بعد رؤية جندي  في قمرة الجرافة الضخمة، يضحك وهو يقتلع شجرة الظل خاصتنا، يا إلهي، إنه إنسان مثلنا، يشبه أشخاص أعرفهم. لماذا كنت أتخيل أن العدو يأتي بصورة وحش، ربما له عين ثالثة أو قرون أو لون بعيد عن ألوان البشرة المتعارف عليها. كنت صغيرة، لا بأس.

الجنازة التالية، ربما من أصابهم القرح ليسوا الأعداء ولكن أناس يعيشون في بلد آخر، كانت تتوالى الأخبار عن أفغانستان وباكستان والشيشان، المساكين ربما سيصلهم دعاءنا. ثم الاجتياح الذي بعده، يقول: "وأنتم الأعلون" لماذا ؟ لم نفعل شيئًا كبيرًا، كل ما فعلناه هو الصبر، وهو ليس شيئًا كبيرًا برأيي وإن كان صعبًا للغاية، خصوصًا عندما تمني نفسك بأن النهاية اقتربت وأننا سنرتاح قريبًا، لماذا نبقى؟ أحيانًا لا أعرف، تنتابك رعشة بالقلب حين تتذكر قول المتنبي "كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا".

رأيت منشور في فيسبوك يعلق تحته الأشخاص بحقيقة علمية محزنة، أحدهم قال أن بعض الأشخاص لا يملكون صوتًا داخليًا. محزن فعلًا، طيب كيف يترجم عقلهم العواطف والأحدث، كيف يترجمون ذواتهم واحتياجاتهم، أتخيله أشبه بالبرمجة. المهم، بعدها استيقظت على ضجيج داخلي، يشبه وجود أطفال يعبثون بألعابهم أو عصافير مزعجة أو حتى نقاش محتدم بين نساء الحي في وقت القيلولة. الصوت كان مرتفع، "هااا، متى تموتي وتريحينا؟" وصوت آخر أكثر حكمة "ألا تعتقدين أنه حان الوقت؟" مشيت بهدوء نحو النافذة، أوبس أنا قريبة من الأرض، لا بأس ربما مرة أخرى، أحتاج حوالي نصف ساعة لأستيقظ تمامًا وتختفي الأصوات، قبل أن تختفي كنت أضحك ساخرة "مهلًا، ما الذي حصل لأسمع كل هذا الاحتجاج؟"، لا جواب مع أني كنت أشعر بالاختناق. توجهت نحو التلفاز، وهو يشتغل الآن على مسلسل "الأصدقاء" رفيق الأوقات كلها، مفروض أن يجعلني أتحسن. لم أتحسن. راجعت قائمة أحلام الليلة، وكان هنالك سببًا مقنعًا، رأيت فيما يرى النائم أنني في غزة أخيرًا، والفيفا قررت تنظيم كأس العالم 2022 هناك، كنت أتجول قرب دوار الدفاع المدني، متجهة إلى شارع المحلات، الاستاد الكبير كان محل مسجد الأبرار، ولكم أن تتخيلوا الازدحام، أشخاص من كل العالم هناك، بالتزامن مع سوق السبت. العربات التي تجرها الحمير والأحصنة كانت تزاحم الناس أيضًا، كنت مبتهجة واتفقت مع عدة أشخاص أن نحضر عدة فعاليات سويًا، هذا حدث كبير سنتشرف باستضافته. على وشك الانحراف يسارًا تجاه شارع المحلات أنادي شخص نسيت من يكون، بينما أنظر للخلف وأنادي، كانت طائرة تقترب دونما صوت بهدوء للأسفل، ترتفع عموديًا فوق تقاطع الشوارع المؤدي إلى السوق الغربي ودوار العودة، في غمرة الحماس لم أتوقع ما سيحصل تاليًا. سيناريو مشابه لما حصل مع مسيرة السلطان عام 2005، بدأت الصواريخ تنهال فوق الناس، قلت لنفسي هذه فعالية عالمية الأنظار كلها تتجه إلى هنا، لا بد أن يتوقف هذا حالًا أو أن يوقفه أحد. احترق كل شيء. حتى أنني نسيت من كنت أنتظر وأين كنت سأذهب، انتهى كل شيء فقط. ثم استيقظت.

هناك تطبيق يصنع الملصقات لاستخدامها في واتساب، أتخيل أحيانًا أن تلك الأحداث تحولت إلى ملصقات "ستيكرز"، في كل مشهد أرى ذهني يضع ملصق ما على الصورة، في مشهد لممر أخضر ومبانٍ محيطة، في الوسط خلف الأشجار يطبع الذهن صورة لرأس دبابة متحرك يبحث عن هدف. ثم في الممر المفضي إلى المترو، حيث البراح والاتساع والحداثة، تتناثر الجثث قادمة من اليوم الأول من أغسطس عام 2014، تتناثر بشكل فني، بعضها سقط لأن الحواف مرتفعة وعالية، أمشي سريعًا هربًا من تلك الصور، إلى الدرج الكهربائي نزولًا للأسفل، ثم أكمل الهرب من سائقي التكاسي الذي يبحثون عن راكب بالإلحاح ومن الصور المتكومة في الداخل.

أفكر بفلسفتين متناقضتين، الاستغراق والطفو، مؤخرًا يعني من عدة سنوات قررت اتباع سياسة الطفو مع كل شيء، فبها تتمكن من رؤية كل شيء تقريبًا، ولكنك لن تصل إلى مكان معين. بينما بالاستغراق أنت تعطي نفسك حقها، لكن ستنزل رأسك للأسفل كثيرًا إلى أن لا ترى ما حولك، وهذي المرة قررت تجربة الاستغراق، على أن نعود للطفو لاحقًا. الاستغراق والطفو، ما دخلهما بالفيفا والعجمي؟ هذا جال بذهني عندما فكرت بمصير النص إذا قرأه شخص آخر. وسيناريو طويل لا داعي لذكره الآن.

الخميس، 24 يناير 2019

كنافة



أفكر بمقولة براءة حول الرغبة والأعمال، أننا سنصل لمرحلة نفعل ما نفعله لا لأننا نريد بل لأن هذا ما يجب أن يحدث، وأفكر بنفسي، هل أقوم بتركيب تقوييم للأسنان، وإجراء عملية ليزر لتصحيح نظري، أليس كل هذا لتحسين قدرتنا على العيش أكثر، والحصول على المزيد من الحياة؟ أنا فعلًا لست زاهدة، لكن ليس لديّ شيء هنا. لا لست يائسة، بل ربما أكثركم إقبالًا على الأشياء، وأكثركم حماسًا للحياة، لكنني متعقلة قليلًا، ليس لديّ ما ألهث من أجله، إلا ربما أحيانًا كي أثبت أنني لست ضعيفة أو جبانة أو أقل شغفًا ربما. 
دائمًا أؤمن أن الجموع تحرم الأفراد من بعض الخبرات المهمة، وربما أكون مخطئة، كل التجارب المفردة أعطتني ما يكفي  من الأجوبة، ورمتني بآلاف الأسئلة، لكن بالطبع حين أكون مع المجموعة، هناك شيء ما لا يدرك، هو ربما الخيط الذي يربط الجميع إلى بعضهم، قديمًا كنت أخاطب النجوم، وأبحث عن نجمتي الحقيقية، كل يوم كنت أجد واحدة مختلفة، أردت أن أعرفها بحدسي، لأنه الطريق الأصوب، وكما ذكرت في تدوينات سابقة، يبدو أنني أخذت حفنة من كل نجمة. عندما أتحدث بهذي اللغة لشخص عادي قد يسخر مني، ويجعلني غريبة، هذا يذكرني برغبتي المحمومة بتجنب التبرير والشروحات لمن لا يهمه الأمر. في رحلة الإنسان في التعرف على ذاته، قد يعرّج على الجزء المادي منه، وهنا لا داعي لأن أؤكد على انتمائنا للكون الأبعد جزيئيًا، لأن هذا سيسلب من النص بعضًا من سحره، يا عاديين يا جهلة يا مزعجين.
يا إلهي كم نهتم بالمظاهر نحن، ما زلت متمسكة برأيي، لا داعي لأن أرسخ فكرة النمطية والتنمط، لن ألبس بدلة لكي أجعلهم يحترمونني، أنا ما أنا لأنني إنسان ولأن لي تجربتي، لا داعي أن أرفع شهادتي مثلًا أينما سرت، ما أحظى به من إنسانية يعتبر حق، لا يمنح بناءً على امتيازات معينة، يا الله كم مزعج تكرار هذي الأمور كل يوم، ربما أكررها حتى لا أنسلخ عنها أو تسقط مني.
يخبرني صديق أنني إن أغلقت الفراغ بين الثنايا ستزيد ثقتي بنفسي، وبالتالي المزيد من الاختراق الأفضل نوعًا في المجتمع، مع أنني لم أحصل يومًا على السيء منه. أشعر ببعض التناقض هنا، هل هذا فعلا ما ينقص؟ مع أنني أعرف جيدًا عكس صحة الأمر، خلقت قوقعة محكمة حول صدقية الأمور والاعتقادات، وأصبح كل شيء ساخر، حتى كل ما أصرح به يتبع المدرسة التهكمية، ثم أنا مع هذا الإرهاق الذهني قد أضيع في هذه السخرية، المدهش في مرة هو حتمية الأمور والمآلات، يا الله كم لبثنا.
أفتقد سطح بيتنا، كان لي عالم فسيح هناك، أفكر أحيانًا بحمل كيس النوم خاصتي والذهاب للصحراء، من المخجل أن أخشى الحشرات والعنكبيات الخطيرة ليلًا والزواحف، فهي تعرف غالبًا أنني أثق بهأ اكثر، لا أعرف لماذا، طيب ماذا سيظن بي رجال الأمن وأنا أتجول وحدي بالصحراء؟ ليلًا أيضًا، ولا أعرف ما يوجد هناك، وما  سيوجد؟ مزعج وبائس ومحزن، وحين أتحدث عن الأمر يبقى في مجال السخرية، وهذا للغاية مزعج بالمناسبة.
كما أفتقد خبزنا، والطعام الدافئ، والسجاد الكثير المترامي فلا أشعر بالبرد إن خطوت هنا أو هناك، فأنا أتقافز على القطع المتناثرة، هناك كنت أطبخ ويبدو الطعام لذيذ للغاية، هنا أطبخ وأتبع نفس الوصفة والوقت، لكن الطعم يشبه القيء، في كل مرة أجدني مرغمة على أكل ما أطبخه، اتمنى أن يكون الأمر نابع من شعور لا حقيقة الطعم، فأنا أثق بموهبتي في الطهي. في الحقيقة أنا أخشى أن أشعر بما أشعر به، منذ عدة أيام قرأت مذكرة كتبتها في لحظة من أكثر اللحظات يأسًا، قهقهة للسماء ثم بكاء مريع، يا الله كم لبثنا؟ أنا أكتب ولكن لا أصدق كل ما مر، ما زلت أكتشف الأشياء تباعًا بعد مدة زمنية طويلة نسبيًا.
مؤسف أن أظل حبيسة النكسات الطارئة، والانتكاسات المعاكسة، بكل الصدق أريد أن أموت وأرتاح، مثل كل من نحبهم ورحلوا، أريد أن يسقط عن كاهلي كل هذا الوزن، الذين رحلوا وتركونا في أوج قوتهم هم الأوغاد، أو الأذكياء حتى، والله نحن لا نطيق حمل ما نحمل يا الله، في هكذا حالة أجيز الهروب، ولا ألومهم لأنني أحب كل من رحلوا، وأحيانًا أعزي هذا لقلة حيلتي وأحيانًا أخرى العكس تمامًا. أنا لا أريد أن أموت، أنا لا أريد أن أموت مهزومة، مع أن الوقائع تشير إلى استنزاف مستمر ينتهي بالقهر القسري لنا كلنا، وهزيمتنا ليست أمام غيرنا أو أمامنا أو أمام القضايا العظام، بل أمام الحياة.
بعد استيقاظي بقليل، استغرقت في حلم يقظة، كنت وسط مجموعة أسمع فيروز، مغمضة عينيّ مستغرقة في حلم يقظة، متجاهلة محاولاتهم للاستفهام عن شرودي، وهناك رأيت في حلم اليقظة أحد يطلب مني اختيار شخص واحد أودعه في حال تقرر أن أموت خلال ساعة، رفعت رأسي وجدت أحد الأصدقاء ينظر إليّ ويسأل:"فيم تفكرين"، قلت له باختصار، فحاول يتسائل ليصل إلى إقرار مني بأن الشخص الذي اخترته هو حب حياتي، أزعجني الأمر، لأن هذا غير صحيح، أخبرته إن كان هو مؤمن بالتناسخ فلأن هذا الشخص ينتمي لذلك العالم كما أشعر، وإن كنت أنا أنكيدو فذلك الشخص هو جلجامش، لا أكثر، وضِعْتُ في جدلية تساؤله المستمر عن ماهية الحب؟ وكيف أعرف أنني ربما لا أعرف ما الحب، لذلك كانت ثنائية جلجامش وأنكيدو صياغة التفافية مني. غريب للغاية، هل يوجد أوضح مني أنا؟ 

أريد أن أكتفي بهذا القدر

24/01/2019
13:10 بتوقيت الدوحة

الجمعة، 11 يناير 2019

زهور

صباح الخير !
أجد صعوبة في كتابة ما يشغل ذهني الآن، أشياء كثيرة من الصعب ترتيبها، منذ عدة أيام أشعر أن قلبي يرف بسرعة أكبر من المعتادة. ربما هناك ما يخيفني ولا أدركه، في الواقع إن المحفز المخيف المجهول أكثر إخافة من المعلوم، لا داعي لإثبات تميزك كل يوم وفي كل فرصة، ينبغي أن تكون هناك متعة في العادية المفرطة. بعض البشر مملين إلى درجة عدم استشعار متعة المسابقات الصغيرة، هؤلاء يسيرون إلى أين؟ أنا لا أعرف. الملل مزعج جدًا، اليوم كنت على موعد مع الخوف، يبدو أننا أصبحنا أصدقاء، أخيرًا. 
هناك رغبة ملحة أعلم، في الخوض في تفاصيل لقائي ذاك، كثر يسخرون مني حين أتحدث عني بصيغة الـ هي والـ هم، طيب ماذا يعرف هؤلاء؟ وماذا يفهمون من الأمر؟ هم على الأقل لا يعرفونني، ما زلت لا أنسى قول صديقة لي عن مدى طبيعية الاختلاف والتجاذبات في دواخلنا، كانت وما زالت الشخص الوحيد الذي وافقني الرأي في هذه المسألة، أو بصورة أدق، لم تسخر مني، كوني أمزح كثيرًا ولا تبدو عليّ علامات الانزعاج، يجعل الآخرين يظنون بأنني لا أتحسس من المزحات الجارحة، أحب المزاح لكن أعرف جيدًا أن المزحات لا تخلو على الإطلاق من الحقيقة.
كما تبدّى مؤخرًا مدى كذبي، أكذب في بديهيات، أصبحت أقتنع بجهلي بأمر ما مثلًا وأقرّه، لكي أتهرب من نقاش ممل أو مزعج، أو من شخص مزعج، أو مللًا دون سبب آخر. أعتقد أن انسجامنا في أي شيء لا يمكن أن يكون كاملًا، هذا ما اراه بحكم تجربتي حتى اللحظة، شعرت في الأمس وقبله بألم خفيف خشن في مؤخرة رأسي، نمت ونسيت وداع صديقة مسافرة، ورأيت كابوسًا لأول مرة منذ مدة، مع اعتقادي الملازم بأنني أحلم وأنسى بسرعة، لا أتذكر ملابسات الكابوس، لكن كابوسًا كهذا كان يمكن أن يرعبني ويخيفني لدرجة عدم النوم لوحدي، هذا لو راودني منذ سنوات أو عدة أشهر، سرعان ما انبثقت أخرى في ذهني، كل هذا كان في ذهني، انبثقت أنا أخرى، جلست على كرسي بيدها دفتر ملاحظات وقلم، عدلت النظارة بإصبعها الوسطى وقالت: آهااا، مخاوفك تعكس شيئًا واحدًا، أنت تتعطشين للاهتمام ممن هم حولك، ربما لأنك لم تحصلي على الكافي منه في صغرك، أنظري للكابوس يا عزيزتي، ألا تلاحظين أن أدوار الأبطال فيه توافق الواقع بشكل ما؟ لكن هل يخيفك هذا الأمر الآن؟. فانبثقت ثالثة بجناحين وقالت: " هل ينبغي على ما يخيفنا أن يخيفنا؟"، سؤال مهم للغاية، فكرت بطرحه في فيسبوك لحظة استيقاظي، لكن ما الفائدة، السؤال يبدو كأنك تقول هل يمكن شرب الماء بدل الماء؟ ولا داعي للمزيد من العبث في وسط ذلك العبث، أحيانًا أشتهي أن أجد ذهنًا غيري، أستفزه ونحاول إجابة تلك الأسئلة. 
كنت أول أمس في تدريب للمناظرة، طلبت الفتاة المدربة أن نرد على مقولة باستخدام منطق الموالاة، نجحت في الرد، ثم رفعت يدي لأجيب بمنطق المعارضة، أجبت ثم أردت أن أهزم نفسي في الجولة الثانية بمنطق الموالاة. أثار ما فعلته استغرابي، هل أستخدم نفسي لكي أشبع حاجتي على الأقل للكلام؟ للمحاججة؟ للسباق الدائم؟ هل حقًا كل من حولي لا يقدمون الحد الأدنى من التواصل المفيد؟
أتذكر مقولة كنا نسمعها ونحن صغار "أن تتحدى نفسك"، هل أتحدى نفسي الآن؟ أم أنني أضيع فيها؟ ما حصل لاحقًا مع الخوف، هو أنني استحضرت الكوابيس والمخاوف التي أعرفها فيّ، وبدأت أستعرضها أمامي، ولا شيئ يخيف! بالمرة لا شيء يخيف. ما السبب؟ كنت أقول لنفسي وأنا أحدق بالسقف، هل كل هذا يغير شيء؟ ما الخوف ولماذا نخاف؟ أنا لا أبالي تجاه أي شيء كما يبدو، جربت متعة فارهة قبل عدة أيام، شعرت بسعادة كبيرة، قلت في نفسي : معهم حق ألا يفكروا بالتعساء سكان الأدوار العليا، عدت متوقعة ألا أشعر بتعاسة التعساء بعدما رأيت، وبعد عدة ساعات استيقظت على غصة كبيرة، لا أعلم سببها، لكن طيف التعساء مر أمامي، وتركني عاجزة عن التنفس، هكذا ربما عرفت أنني لن أغادر نفسي الأولى والوسطى وما بينهما.
ربما إن كنت أخاف من العناكب مثلًا، سأشعر بالخوف إن رأيت واحد أمامي، ولكن هل بالضرورة أن يحصل هذا؟ هل الخوف كيميائي لا أكثر؟ يعني في حالتي مثلًا، أنا أخاف من بعض الأمور، لكن جسدي لا يفرز ما يصنع الخوف فيّ، والخوف المحفِّز برأيي: هو كل ما نخشى حصوله ويهدد مصالحنا الوجودية بالضرورة. من أنا إذًا؟ يجب أن أكون صريحة وأقر أنني بدأت أستشعر تغييرًا مؤخرًا، تغييرًا في كيمياء دماغي، شيء يمكن أن يجعلك تفقد صوتك وحماسك، دون الشعور بالقلق والإحباط، أتمنى أن يتغير للأفضل في الحقيقة، دائمًا أدّعي أن الدماغ يتمدد أفقيًا، عندما كنت أعرف شيئًا جديدًا وبغض النظر عن قدرتي على الوصول إليه لاحقًا أم لا، كانت تفتح غرف جديدة بشكل مستمر في عقلي. وهذي المرة لا أعرف هل تنكمش ؟ هل أفتحها من جديد؟ أم أفتح غيرها ذاهبة إلى حيث لا أدري؟
هذي البلاد غريبة للغاية، تجمعني بأنواع محددة من الأشخاص، خصوصًا الذين تجمعني بهم معرفة مسبقة، هذا اختبار على أعلى مستوى، أتخيل أمامي لوحة عملاقة مكتوب عليها "حاولي أن تهربي الآن"، شيء في داخلي يقول لي: الهروب لا يفيد، بقدر لقاءاتي الذاتية مع نفسي، إلا أنني في ذات الوقت أهرب منها، أهرب منها ربما لأنني خلقت للعَدْوِ إلى لا أدري، كل تلك الطرق الجديدة، والمساحات الغضة تحبس أنفاسي، مثلًا الهواء في هذا الوقت، لا يعبر إلا عنّي، إذا طلب مني أن أصف ما يوجد تحت طبقة الجلد التي تكسوني، سيكون بالتأكيد عاصفة، مستمرة لا تتوقف، وتضحك باستمرار.
أرغب بالحديث عن أشياء أخرى، مثل الحب مثلًا، لكن لديّ موعد مع الريح الآن.

الجمعة، 4 يناير 2019

ثقوب



الذهن وعاء كما قال حسين، وهذا الوعاء لا يسكب إلا إذا امتلأ ففاض، لماذا يزجون باكواب غير ممتلئة في المقاعد، ثم يطلبون منهم التلاعب بالمصادر ويضجون بالعالم طرحًا وتصديرًا، هذا ليس إلا إسهال معرفي يا صديق.  من هؤلاء؟ كل واحد هو ملك قامته، وملك أرض، هي ليست إفتراضية له فقط، من هؤلاء بربك؟ كيف نمارس ويمارسون الإسقاطات تلو الإسقاطات، آه نعم الفيضان غير متتابع، غير منتظم ولكنه متزن، أو منتظم بنظام ما، لا تجيده أنت، كيف لك أن تدرس دقائق الأمازون وأنت لم تغادر الشريعة؟ 
من جديد، غربان، ونعيق، ونقيق، النقيق ليس متسقًا لكنه يشبه حالة الذهن. الجد والهزل والقوانين سواء، قبل أمس وأمام أشخاص لا تعرفهم، استحضرتك وصنعت لك تمثالًا وأنت وأنا نكاد لا نطيق بعضنا البعض، أنت تكرهني جدًا، وكذلك أنا، أشعر بعظيم الغيظ إذ أراك تفعل ما لم أستطعه، وكذلك أنت بالطبع، فنحن نتبادل الكره وأشياء أخرى، لكن صنعت لك تمثال، وقلت لم أقابل مثله، لقد تعلمت منك الكثير، وما كنت تحديت عقلي على الأقل إلا لولاك، أنا أكرهك وأكره أحيانًا تشابهنا لحد التماثل. أعجز عن تحديد السبب الذي زج بك في كل هذا، يزعجني أنك أصبحت طيارًا الآن، أكاد لا أستطيع حساب التسارع، وأنت أين؟ أنت لا تدري أنت أين.
منذ عدة أيام، شيء آخر زج بك في أحلامي، لقد كنت حاضرًا هنا حيث أدرس، فكرة وجودك شبه مستحيلة، ولكنك أتيت، واستغليت الفرصة لكي أزعجك أكثر، احترمت شيئًا واحدًا فقط، الاتفاق على أننا لا نعرف بعضنا البعض أمام الناس، وها نحن ذا لا نعرف بعض، ونكيد لبعضنا المكائد، حتى كشفنا أنفسنا. آه كم أكرهك.
هل تعلم أنني اعتدت سوء الفهم، حتى أنني ألفته لمدى الاستمتاع به، أخاف أن أنام الآن، ويجب أن أنقطع عن إزعاجك ولو في ذهني ثم أعود.
05/01/2018
05:23 AM

الخميس، 27 ديسمبر 2018

عن الموت، السعادة والأشياء الناقصة




بينما جالسة مع أصدقاء افتراضيين، قلت لهم عن وجه جميل رأيته اليوم، بدا الأمر في البداية وكأنني أغازل أحد الموجودين، أخبرتهم هو شخص غير موجود بيننا الآن، لكن اليوم بينما أتنقل بين المحطات رأيته، زدت بأن رؤية وجه جميل تشبه رؤية حديقة في الربيع، وهذي من جماليات الكون حولنا، يعني لا داعي لربطها بأي هرمون، مع أنها أفعال غريزية الدافع، أعرف مثلًا أن وجهي مريح للنظر، مع هذا عندما يصاب بالبثور أو الجروح أشعر بالارتياح، يعني واضح أن هناك حياة، أما عن الوجوه الأخرى من جديد، أحب رؤية وجوه الأفارقة، الفتيات السودانيات والإفريقيات عمومًا يمتلكن وجوه لا  أمل من النظر إليها، وما رأيت اليوم كان يفيض حياة، كان يشبه بساتين خضراء على مد البصر، مع هواء بارد، خفيف يمر فوق العشب، الذي يمتد لطول نصف متر تقريبًا، وهناك ورود برية متناثرة، مع حيوانات وديعة تقفز خلف الأشجار البعيدة، وكان هناك شجر تفاح في المكان، وخوج وكرز، ورائحة أزهار وفاكهة 
حين أنظر للوجوه، في الحقيقة أرى لوحات وانعكاسات لصور في الطبيعية، أعرف شخصًا مثلًأ وجهه يشبه البحر تمامًا، وجه اليوم سهل أخضر على ربوة، بعض الوجوه سفوح جبلية رمادية مع أكثر من وعل يقفز هنا وهناك.
لست أعتبر نفسي جميلة، ولو كنت خارقة الجمال لن أكون سعيدة، شاهدت منذ سنوات فيلم دوريان جراي، ربما من أكثر الأفلام التي تأثرت بها، كانت لعنته هي الوجه الجميل، لم ولا يكبر مع الزمن، لا يخدش، لا يتأثر، أكيد على الأقل سيصاب بالضجر، ويشعر بالملل من كونه مصاص دماء مثلًا، ولو حصلت على الخلود سأشعر بملل، وقتها سأرى كل الناس، والأماكن، وأجرب كل ما قد يلوح في ذهني، ثم سأتجول في العالم أبحث عن شيء أفعله فلا أجد، بعدها قد أبادر بابتكار أشياء أقوم بها، ثم أشعر بالملل، وقد أكون محظوظة بإيجاد شخص خالد مثلي، فنتشاجر ونجد قضية أخيرًا تستحق الاهتمام والمشاجرة بالطبع، ربما سيكون السبب فستاني بلون غزل البنات، أو من سيأخذ خوذة الفاينكنج الأخيرة المتبقية، وهناك أسباب كثيرة ممكنة، ربما سنتشاجر في مزاد علني على صدرية ليدي جاجا التي على شكل قفازين.
الأمور بتمامها يعني فيها إشكالية، لهذا تؤلم الخيانة الزوجية ربما، أنا مثلًا ليس لديّ مشكلة أن أموت الآن، متصالحة جدًا مع الموت، لكن ليس الأمر كذلك بشكل كبير مع الانتحار، مع أنه يحقق معادلة سعادة بشكل ما، يعني مثلًا لماذا نشعر بامتنان تجاه الموتى أصحاب التجارب  غير المكتملة؟ الامتنان أم الشفقة؟ الامتنان والتقدير، الشهداء والموتى الشجعان، الأمر أكبر من الموت من أجل فكرة، إنه  القدرة على ترك كل الأشياء خلفنا، والدائرة كما قيل غير مكتملة
أعود للحديث عن الفن، كلهم أقصدي دافنشي وأصحابه، رسموا الوجوه، والبورتريه، ولديّ كتب متخصصة في البورتريه، فن رسم الوجوه، لكنها صماء تمامًا، والحقيقية لا تشبه محاكاة أرسطو، الحقيقية تكاد تنطق، باختصار يعني، هناك تقصير بشأن البورتريه، كلنا نعرف كم تسرق ما تسرق منّا هذه الأشياء، ولكنها ترينا من نحن، وما نحن، مرة غضبت كثيرًا وكدت أكسر المرآة، لا أعرف كيف استبد بي الغضب ليتصل بموجة بكاء، حينها كنت قد مللت من وجهي، نفس الأنف والعينان دائمًا، نفس الفم، نفس كل شيء، ولكن ترحل البثور عن الخارطة وتعود للسباحة نحو شاطئ جديد، حين يمدح صورتي أحد، أقول لهم: هذا وجه فنسنت القبيح، في الواقع، فنستن لم يكن وجهه قبيحًا، بل غابة من الجمال، كله طيور وأشجار عالية قديمة، تشبه شواهد عملاقة في عالم كبير كثيرًا، وجهه هو غيوم متحركة فوق تبة صغيرة وغابة وراء جدول، ونباتات مزدحمة، لديه عينان تلتقطان أجمل في ما هذا العالم، إنه يشبه إيزيس، قلبه الغض الطيب كان يتلقى نفس الحجارة من الأولاد كل يوم، يتعافى في نهاية اليوم، يعني حين يحني ظهره أمام القنديل لأجل ثيو، فيترمم كأنه مطاط مُعالج، ويعاود تلقف الأحجار على الطريق في يومٍ آخر
تمسون على خير
28/12/2018
الأولى بعد الخروج من غزة

الجمعة، 12 يناير 2018

دوائر

الطائرات كلها تتجه إلى الغرب، تبدأ موجة سخرية لاذعة من الأسفل، "ليذهبنّ الجميع إلى الغرب" تصرخ عدة أصوات، بالمناسبة يمكنك قراءتها بالسين، يوجد من يتحدث عن الاختلال الذي آلت إليه الأمور، الأوامر المعتادة ذات الجدوى عاجزة أمام الانشقاقات في مصادرها وتوزع الجهود.
قصفت البارجة! الرابض في الركن رقم خمسة عبر أجهزة البث لزميله: لا مفر من الغريزة الأولى، الضمير والوعي الانساني لن ينفعاك... ترررر.. حول... ها؟ الأصوات تختلط سأكمل.. للللن تفيدني شبكات اتصاالك ولا طائراتك، اسمع أعظم شيئ يمكنني فعله هو الإلتفاف على الحقائق، وسأقضم كتفك في النهاية..
عين هنا وعين هناك، لسنا في حالة حرب بعد، يمكنك الاستماع للموسيقى والنظر إلى كتابك ومحادثة جارك على الشرفة، كله متاح وإلا ضعت، خفيف الأحمال!
ربما ما يجن بعقلك كونك شخص جيد، تستغرب كيف يفعل الأشخاص الأمور الروتينية، وقد لمت نفسك عندما عرضت موزة على شخص فرفضها بحجة التوقيت وكان عليك عرض أخذه إياها للبيت يأكلها متى شاء، ولم تفعل! ثم عجزت تمامًا عن تمثيل دور اللطيف المضياف كثير الحكايا لأنك متعب بفتح العين، ولم تستطع مصافحة ذلك الشخص السيء، كل هذا يعني أنك شخص جيد.
إلى أي حد يستطيع الأصدقاء معرفة مدى لطفك من كم إزعاجاتك مثلًا؟ وكيف كيف تستطيع الكلام؟ الغضب المصاحب للسذاجة والكلام السطحي جدا مبرر لكن بدلًا يفترض أن يندلق الكلام.
ثم تريد الحديث عن مدى اشتياقك، وبالمناسبة الجميع هنا حمقى، إذا فعلتها أنت أفلتت من هناك وهكذا، الغضب؟ لا يمكن إنكاره.
لن نكتب كما اعتدنا هنا أبداً، لأننا حزينون ومحبطون، الأمر معقد ويصعب شرحه، مع هذا الإرهاق الذهني عظيم وجود شيئ واحد معقد! "مزاح"
أفكر بكتابة رسالة زرقاء منذ عدة أشهر، لكن لا يبدو أي شيء سانحًا، أعلم جدًا أنني إلى كتابة ما كتبت على حق ثم تصبح أنت المحق وهكذا تدور الدائرة ضدي كالعادة.


الاثنين، 4 ديسمبر 2017

جوانب ستة


ليس في حياتي ما يستحق التسجيل، عندما تكون في بيت لابد من وجود ركن مجهول، لديّ نماذج كثيرة لهذا الركن، كل واحد نتحدث فيه إلى ما شئنا، يظن الجميع أنني أكثر من النوم لا أفعل في الحقيقة، تؤذيني أشياء ربما لا يلاحظها أحد

الحياة أصبحت قاسية مؤخرًا، ويضطر أي شخص يشبهني لاتخاذ تدابير عرفية في مواجهة السخافات، أصبحت أبقى لمدة طويلة في البيت، كأن كل شيء هنا لديه سعار جنسي، الخروج حرج ولديه أوقات، جارات ينصحن بأوقات وأسباب معينة للخروج حتى لا يساء الظن، واضح أنني وقعت في فخ نصبته عندما نسيت تماماً أنني سأضطر للتعامل مع المحيط يومًا ما، كما لديّ جيران متدينون ليس لديهم مشكلة بالتحرش اللفظي أو النظر الوقح، لست أتذكر استيعابي لكل هذه الأمور لكن أصبحت واضحة وكثيرة، بنفس الوقت إن كانت هذه سمة طبيعية لماذا تسبب الأذى؟ 
جميل أن تلازمك الدهشة لهذا السن، ما زلت أدهش أو أصدم عند تعاملي مع النساء في هذي المنطقة، سطحية وبساطة مريعة، مسكينات جدًا ويبررن فظاعات، الغريب في المكان لسن هنّ طبعًا، في أغلب الأحيان لن يتحدث أحد بهذا المنطق وإن كان يفكر به، المهم لا مكان لمن هم مثلي في أي مكان، ونحن كثر بالمناسبة، ولا أمدحنا أبدًا


لم أتخيل يومًا أن تكون كل هذه القيود والمستقبل الأسود ضمن لعبة، أمس تناول عدد من المغردين قضية الطائرة المخطوفة، لعبة لعبة ... في الحرب وفي كل حرب أو اجتياح كنت أتخيل أن كل شخص حياته مهددة أو يفقدها الآن لديه حلم ومشاريع وأشخاص يحبونه وأخر يكرهونه، خلال الانتفاضة استشهد كثير من أهل الحارة، لاحظت أن الصامتون الهادئون أول من يسقطون في المواجهات، والغاضبون كذلك وأي شخص مظلوم معهم أيضًا، لكن مع الوقت تصبح الأمور عشوائية أكثر، الأطفال الذين كانوا يموتون من رشاشات الدبابة أغلبهم كانوا مجهولين بالنسبة لي "ماعدا واحدة"، تلك العقدة الغريبة التي تجعلك تتجنب أشخاص لأنهم لا يروقونك ثم تندم لاحقًا عندما تكتشف أشياء جميلة فيهم تستحق المعرفة المسبقة، قبل عدة سنوات كنت أجاهد للتخلص من عاديّة الأشياء، وما زالت الأمور على هذي الشاكلة تحصل لأنها هكذا، وربما كنت أعرف مسبقًا أنني لن أستطيع التبرير لأني خلعت العباءة بصعوبة بالغة، صعب إنكار ضعفي في التبرير


الحالة العامة تتغير بسرعة ونتكيف بسرعة، مجتمع الأنفاق هذا أصبح شيئًا روتينيًا، أخبار التهريب وأموره عادية، حارتنا الجديدة مزعجة لأبعد الحدود ولا أطيقها، هناك أمور متوقع حصولها في المناطق الحساسة لكن أبدًا ليس إلى هذا الحد، في بداية سكنانا بينما أمشي من أمام كراج لتصليح السيارات ابتسم العامل بشكل خبيث ونادى باسمي مثلًا، وشخص آخر يرتدي بيجاما بنية مقرفة جدًا وبالية لا تعرف إن كان هذا لونها أو أنها متسخة، ينظر بوقاحة إلى الجميع خاصة الفتيات والنساء ولمبرره كل المنطق بالطبق، وهناك آخران واحد يرتدي تيشيرت بالي لديه عيون جوفاء تكاد ترى من خلالها تجويف الجمجمة الفارغ، ويحيرك جدًا إن كان هذا المليونير يستطيع استخدام ذكاءه إن وجد بهذي الملامح البلهاء أو غالبًا هو متنكر وهو بارع جدًا بالتنكر بالمناسبة، الذي بعده ملفت جدًا يرتدي جاكيت رسمي بلون "كاكي" قديمة جدًا وشبه مهترئة، يتحدث بصوت مرتف كل الوقت عن الله اللذي يحبنا كلنا، ثم نسمع صوته يضرب أنثى ما بالداخل، يأتي إليه شبان يائسون يقولون "وين الله تبعكو؟ ليش ما يشغلني؟" يخشى عليه الأول من الدخول في الكفر ويحذره ويطلب منه المزيد من الصبر، لديه فكرة وأحترمه لأن لديه فكرة، لكن فكرته قذرة للشخص الطوباوي فيّ، هو يؤمن بأن العمل هو العمل بغض النظر عن نوعه، يعني أيًا كانت المادة التي تدخل من نفقك، لا يهم المهم أنك تشغله وتساعد، لست سوى وسيط، أتخيل بهذا الصدد لو ينفجر مفاعل ديمونا مريحًا إيانا جميعًا

كلهم مشتركون بالجريمة، في أحلامي البوليسية رأيت الكثير من الإثارة والمؤامرات، أما الواقع لطيف ومنطقي وإنساني لكن تغلبه الإشكاليات