السبت، 17 أكتوبر 2015

رحلة العودة




من يدري 600$ أم 1000$ ؟ أشعر بالإنجاز! كيف فعلتها ولم أحصل على الشهادة بعد،  آخر فصل هو الأطول على الإطلاق أو ليس الأطول لأنه لا ينتهي أبداً. في أمان الآن، الأونروا مكان جيد للعمل، أكثر ما يحيرني بعد الراتب: لماذا لم يطلبوا الشهادة والسيرة الذاتية بعد؟ 
اليوم الأول كان عابراً جداً، طُلب مني تغيير البنك الذي سأتعامل معه فقط، وعدت أنتظر رسالة التأكيد من البنك أو جهة العمل. 
هل يعرف أحد ماذا تفعل جارتي في هذا المكان؟ ولماذا يقدم المدير الموظفة الجديدة للزملاء؟ طيب وماذا عنّي؟
أعترف كنت فظة جداً وهو بليد جداً، فجأة أطل من من آخر الممر وفد أجنبي، لا يوجد أحد عاقل لا يستغل الفرصة، وكأنهم يعني تفهّموا الأمر وانتقلت بي الأحداث إلى غرفة أو قبو المقابلات من جديد.
أشعر بالإهانة من سخافة أسئلتهم على كثرتها المرهقة، بشكل ما أعدت المقابلة أكثر من عشر مرات، العمر سينقضي دون العبور منها، المقابلة الأخيرة بدأت بسؤال مفتوح عن المعلقات الشعرية السبع، يستحق الأمر التحدي. قبيل السؤال الثاني تأملت المكان، قبول مظلم متعدد المداخل تبعت المدخل الذي يؤدي للأعلى، بعض الأشخاص لديهم فضول طبيعي يختبئ بين الجينات، يجعلهم يخوضون تجارب جديدة دون سبب. الإضاءة هنا مختلفة تماماً، ضوء خافت حين تتكيف معه لن تعود ترى المدخل الذي جئت منه.
أبواب كثيرة جداً، ونساء كثيرات بأحوال باهتة أو ذاهلة أو مزرية، في المداخل والأزقة نساء أيضاً متكومات على أنفسهن أو مغطيات وجوههن بأيديهن، الأسمال البالية تشبه المكان، كلام غير واضح وضجيج وأصوات عديدة.
في الداخل أكثر، مكان أشبه بزنانة خرسانية كبيرة، ظلمة نوعاً ما، كل مرة أغمض عينيّ أعيش أحداثاً بأماكن مختلفة، ربما لا أحد غيري أجرك حقيقة أن هناك أحداث غير منطقية متوالية دون تسلسل.
للأسفل فتحة بالكاد واضحة، مصابيح صغيرة ملقاة على الأرض تساعد على الرؤية، إذن لا يساعد التركيز وحده للرؤية، متأكدة أن خيالات وخوف الفتيات غير مبرر. حائط اعتراضي مكان مناسب للقفز من أعلى، يوجد الكثير منه، نحن فوق الحيطان، هل رأى أحد وطواط بحجم الكلب؟ يمكن تفاديه وتسلق السلم للأعلى نحو الضوء، نفق صغير يصعد للأعلى، المشكلة ليست بالمتاهة ولا الوطواط بل الوحش البشري ذو الأنياب القادم! 
لم يبق الكثير، الشمس ساطعة بالخارج، حسب ما شاهدت في الأفلام لا يحتمل مصاصوا الدماء الضوء لكن لا يخبئون عيونهم بأيديهم ويصرخون من التسلخات ويستمرون بالمطاردة! يستطيع أن يلحق بي على سكة القطار ويغرز أنيابه برقبتي، لكن لماذا يحمل سكيناً ؟؟
أن تجد مساعدة بلحظة حرجة أمر متوقع جداً، رجل وزوجته وابن لهما يركضون لهنا، من المريح أحياناً الاستسلام على أمل الراحة أو انتظارة النجدة،  يبدوا تأثير الطعنات مخدراً، هذي أربع سكاكين ليست واحدة.
تظهر بالسماء بشكل طبيعي وليس مستغرب شاشة فيها قائمة أسماء على شاكلة تويتر، ربما إن اخترت أحد يأتي ويساعد، أول اسم لفتاة مكتوب بالعربية واسم المستخدم مختلف تماماً!؟ إذن لا شيء حقيقي، الصوت الغامض ما زال يهمس من أعلى، يتوقع، يحذر، ينصح، ويهزأ أحياناً بمن أرى أو بعض المواقف، وأعود من جديد للمكان السابق على أمل الخروج.

الاثنين، 12 أكتوبر 2015

سؤال لأي شخص



لو افترضنا أنني أو أنت في مكان بين مخيم ومنطقة شرقية حدودية، أنت في الوسط تعيش على الطريق العام، وحصلت مجزرة في المنطقة الشرقية، كان فيها رجل في بيته، أصيب برأسه إصابة مباشرة وهو يركض باتجاه الغرب، أراد أن يصل بيت العائلة في المخيم، هو يجري الآن باتجاك أنت ليعبرك ويكمل نحو المخيم، إنه يقترب، عيونه فارغة تماماً ونافورة مفتوحة في رأسه. أريد أن أتوقف هنا لنفكر لو أردت أن أصور المشهد وأعلم أنه سيحصل سلفاً هل أبدأ بك أنت أم الرجل ! الرجل لا يفكر إلا بالوصول للمخيم سيرتاح وسيفكر بماهية السائل اللزج الذي يعمي عينيه، كل شيء مؤجل لغاية الوصول المهم أن يركض ويصل الآن. أنت في بيتك هرعت للباب على صوت القنابل والقصف والناس تجري وتجري وبصرك مركز على الرجل ذو الرأس الدامية "لماذا لا يتوقف لتلقي الإسعافات؟ إصابته خطرة المجنون لأين يذهب؟!! ليوقفه أحدهم، لماذا لا أفعل أنا، لماذا لا أساعده، لو استمر سيموت! تبدو جمجمته من الأعلى محطمة! لماذا لا أوقفه، يجب أن أوقفه، لحظة ربما غيري سيفعل أو من الأفضل ألا أفعل....."..
السؤال هنا كيف ستُرِي المشهد لغيرك؟ من أين ستنظر؟ من  أين ستبدأ؟ ألا تخشى لو بدأت بالرجل الذي يجري سترى نفسك مجرماً أحمقاً ربما أو خارج دائرة الحدث، وإن بدأنا بك لن ترى الرجل إلا جزء من المشهد، لا يهم أن تتحرك المهم كيف تتوزع القصة بعدالة؟

لنحاول أن نكمل علنا نصل لحل المرحلة الأولى لاحقاً، وصل الرجل أمام بيتك وأنت أمام القرار الحاسم! نزلت مسرعاً تجاهه سيصلك خلال ثوان، ستتلقفه بذراعيك وتضع قطعة القماش على رأسه لكي توقف النزيف، هاااه وصل تقريباً ......

الرجل رآك في طريقه ظنك ستعرقل فرصته في النجاة، تردد للحظة بأن يقف، يحتاج أن يوقف النزيف، لكن الأمور تتعقد وهو لا يرى نفسه إلا في البيت، أمه زوجته وأطفاله وباقي العائلة، سيكمل سيكمل مهما كلف الثمن وسيتخطى الكائن الغريب الذي يقف بطريقه سيتخطاك، لقد كاد أن يصلك فيتجنبك بخطوة سريعة رشيقة أثناء طيرانه، سقط شيء !! سقط منه شيء ما توقف لأجزاء قليلة من ثانية وأكمل الطريق، نفسه تحدثه بأن ينظر للخلف ولن ينظر لأنه سيصل البيت في المخيم، لا أسرع منه الآن يكمل العدو، بدا جزءاً من الخيال في الأفق وهو يركض.

لنعود لك أنت، فتحت ذراعيك عن آخرهما ستمسك بالرجل وسترجع للخلف قليلاً لكي تمتص ارتطام جسده بك، بقي متران فقط سقط الرجل وارتطمت رأسه بالأرض، تطايرت أجزاء من دماغه ونافورة الدم تسقي الشارع، لقد سرق ما في عينك، وأصبحت عيناكك فارغتان أنت أيضاً، وصل الإسعاف أيضاً من الخلف يجري المسعفون ولم يلحقوه.

حملته أنت والمسعفون، وأنت ترى بعينيه، الكون أحمر والصفائح التكتونية ترتطم بقاع الكوكب وتصعد، أنت لا تدري ما تحمل ولا لأين ولا لماذا، لا تدري بأن الرجل ما زال يركض؟!

ما أفضل طريقة لترى ما ترى، ما افضل عين وأين تقف على الشرفة المقابلة مثلاً؟ من أين بدأت الأحداث؟ ومِن مَن؟ وأين موقع الرجل من الكون الذي انهار أمام عينيك وأين انت وكيف ستأخذ الآخرين إليك؟؟؟؟

لا يوجد تخطيط قلب


أحياناً ساعة قد تختصر يوماً كاملاً، وهذا ما أظن أنه حصل اليوم، قبل ساعة من الآن اتصلت والدتي بأن أخرج معها لمشوار "مستعجل"، حين حضرت البيت تبين أنها بحاجة للذهاب للمشفى لإجراء تخطيط قلب نظراً لحصول تسارع، ذهبنا بسرعه انتظرنا في قاعة الطوارئ مع الجثة المرفقة صورتها، بدى عليها التوتر  قالت بأن بإمكانهم أن يضعو الجثة في الثلاجة أو مكان آخر بعيداً عن هنا! انتظرنا الفحوصات وجاء بعد الممرض طبيب في العشيرينات من عمره أحضر حقنة، طلب منها الكشف عن الوريد ولا بد منها لانتظام ضربات القلب! أوقفته أمي وقالت أنها لا تحتاج لها طالما أنها تتناول علاج منظم لضربات القلب، حاولت عبر عدة أسئلة معرفة نوع الحقنة فابتسم وانسحب من المكان عائداً مع طبيب أكبر منه سناً ويرتدي تي-شيرت برتقالي، حاول الاستفسار عن طبيعة العلاج الذي تتناوله والطبيب التي تتابع لديه واسبب من قدومها للمستشفى، أجابته بأنها تحتاج لتخطيط القلب لمراجعة الطبيب بعد زيارة المستشفى كالمعتاد في حال حصول طارئ على حالتها، نزع اللاصقات المتصلة بجهاز تخطيط القلب وخرج لطاولة الاستقبال، خرجنا خلفه وطلبنا التخطيط فرد قائلاً "ما في تخطيط، ما عندك أي مشكلة، ممكن طبيبك يعملك تخطيط!" انتهى.

خلال مكوثنا في غرفة الطوارئ لم نجد أي أحد قرب الجثة اصغيرة على السرير المقابل فقط الملابس الممزقة في السلة، لم يوجد تبريد، وكانت ذبابة تحاول الدخول من تحت الغطاء، ربما من البديهي انتقاء النقطة السابقة لكن ما المبرر لمعاملة طبيب لمريضة بهذا الشكل؟ ولماذا يقو بأنها سليمة تماماً طالما حاول أن يعالجها بحقنة؟! وما مكونات الحقنة؟ أليس من حق المريض المعرفة؟

كما رأينا الموت رأينا طفلة حديثة الولادة في سيارة العودة، ولكي نرجع للواقع الواقع مررنا على جلسة نسائية، قالت فتاة أن "فكّت عينها" ! وحسب التوضيح حين يظهر في عين أحد "الشحاذ" يحضر كسرة خبز من أحد الجيران "أي شخص المهم ليس من العائلة" يحرق ويتم تكحيل العين به ويختفي "الشحاذ".
ساعة واحدة كفيلة بأن نبني القلعة حول أنفسنا ووندعوا ألف مرة ألا نصاب بأي علّة أو حاجة أو سبب للخروج أو حتى الاختلاط حتى حين.




السبت، 10 أكتوبر 2015

لا بد أنها الأشباح


الليلة بلا قمر وما زلت أرابط في المكان المعتاد، أيضاً الليلة الرياح قوية، سمعت صوت احتكاك جسم بالأرض مرتين، ربما شخص ما، بعد المرة الأولى فكرت في أكثر من احتمال، قد يكون جارنا وزوجته! ترى متى صعدوا للسطح وكيف لم أرهم أو أسمع شيء؟ لماذا لا يكون أخي الذي تسلل من خلف خزانات المياه ليمازحني في إحدى المرات وكاد أن يتسبب بنوبة قلبية، ربما قطة؟ ليس لدينا قطط في البناية أصلاً! الصوت يتكرر، اعتدلت فوراً في جلستي وتفحصت المكان، الرياح قوية، الغسيل يكاد أن يحلّق في الهواء، الأشجار ترقص على صوت "بحيرة البجع"! لا يوجد صوت مسموع لكن الإيقاع واضح جداً ! 


مجرد فكرة وجود شخص ما هنا قد تكون مخيفة، الحل الوحيد هو استدعاء أحدهم لنثبت الفرضية ونرتاح، يوجد أشباح هنا، بالذات خلف خزانات المياه بجوار حبال الغسيل، هناك تقع الجلبة كلها. شبح لفتى ارتقى في مواجهات في عالم مواز ربما، لدي إيمان راسخ بأن الأشباح إن وجدت لن تكون مؤذية، جل ما تبغاه أن تؤنس وحشتها فقط، وأنا لا أمانع، لست بصدد إثبات وجود الأشباح من عدمه، المهم أن شبح الفتى في المكان، وجود شبح أهون بألف مرة من وجود إنسان، وجود أحد من أبناء جلدتنا هنا يعني إرباك مضاعف وخروج عن بروتوكول العزلة، بعكس الأشباح طبعاً، الصوت يتكرر، إنه الشبح لا بأس.
في الأعلى تحجب السماء كتلة ثلاثية من غيوم مستعجلة، تدع المجال لي للتفكير بأمور مشابهة على الأرض هنا، الرياح تصفر وقد صنعت بيدي صدفة سمعت صوتاً مضاعفاً والأمر ممتع بكل الأحوال، وراء الغيوم توجد غابة من النجوم، بعد التدقيق لا تبدوا السماء سوداء، يوجد عدد هائل من النجوم، ثلاثة أو خمسة بضوء أقوى ويبدأ التدرج باللمعان حتى  الاختفاء.
لا تنتهي الأمور دائماً كما نرغب، دون صوت أو حركة كما توقعت، ضربة من وسادة اسفنجية من أعلى "ليش نايمة!" مهند لا يمكن أن يكون شبحاً.

لنكن واقعيين قليلاً إن لتدوين اليوميات ميزات جيدة، خصوصاً للمدون، وكأن أيام العمر لا تسقط كلها، بعضها تثبت بمسامير ربما، أعيد ربما، كذلك ليس بالضرورة أن تكون الصورة كما ينقل، لأنه ينقل ما يريد وكما يريد، فلا يظنن أحد أن للقارئ سلطة هنا، وهذا قد يشكل حافز للكتابة بكل الأحوال. تختلف الأهداف وكثر يكتبون، الدوافع مختلفة والنتائج كذلك، ما الفائدة مثلاً من نص رديء منتشر، أو نص جيد أيضاً منتشر ولكن جمهوره من القشور! لا يمكن الحسم لأن موضوع الكتابة هلاميّ بامتياز، ولا أظن أن تشيكوف مثلاً كان يكتب للمال فقط، الرجل أخرج أفضل ماعنده بالنهاية. كثيراً أسأل نفسي هل كتابتي جيدة؟ تكثر التعليقات والملاحظات ممن أقابل في الحياة الواقعية ويكونون قد صادفوا إحدى التدوينات، لأكون صريحة صديقتي أمل الوحيدة التي آخذها على محمل الجد ولكن ليس تماماً، إنها تحلل النص من تسلسل وأفكار وأسلوب وفكرة عامة، يهمني دائماً أن أعرف ماذا ترى هي، في التدوينة الأخيرة التي تتحدث عن الزواج، كنت صادقة تماماً حين قلت لها أنني مطمئنة لصحتي العقلية خصوصاً بعدما قرأت تعقيبها الكامل، يتبين لي هنا ربما أنني لا أكتب إلا لأرى ماذا لديّ، أعود لسؤالي، هل أكتب جيداً؟ إن حاولت مقارنة كتابتي بأول مرة كتبت فيها والقصة التي فازت بأول مسابقة أخوضها، فأنا أكتب جيد جداً، لكن مقارنة بالكثير، كتابتي متواضعة جداً وأهم ما في الأمر أنها تعبر عن بيسان الأخرى التي تخجل مني، وإنّي وإن كنت باطنياً أريد أن أكتب مثل فلان أو فلان، لذلك أقرأ نفس النص لحسين البرغوثي أو غسان كنفاني خمس مرات ولا أصل ولعلّي أصل.
إذن انقطعت عن الكتابة طويلاً وليس هناك ما يكتب، أصبحت لديّ عقدة التدوين، قبيل النوم أكتب تدوينة عبر الإنترنت الافتراضي أكبس على زر "نشر" وأنام، لاشك أن الإنتقال أثّر عليّ وحاولت جهدي أن أحصل على إلهام واحد في أول شهر ولم أستطع، لا يهم إن كنت أكتب أو لا، المهم الإشارات من وراء ذلك، في المحاضرات أدون الكثير من الملاحظات لكن لايمكن أن تكون على شاكلة التدوين ولو أنها ليست من صميم المادة العلمية مباشرة.
كل المؤشرات والاقتراحات الداخلية تشير إلى الداخل أكثر، ومن يدري؟! على الأقل سيكون سؤال المرحلة (لماذا الكتابة؟).