السبت، 20 سبتمبر 2014

الطابق الرابع



صعوداً إلى الأعلى، البيوت قريبة والازدحام شديد، أحاول مع أخي أن نصعد البناية بالإمساك بالأخشاب المحيطة بها، لم يكتمل بناؤها بعد. الطابق الأول، الثاني، الثالث، وصلت الرابع هناك شرخ في الخشب وتبدو المسافة أكبر لكن سأصعد. لم أفعل، العالم أصبح ضبابي وخفيف، نمت كثيراً واستيقظت بعدها، هناك آثار بكاء على الوجوه والوقت يمر بسرعة، لم اعد كالسابق.
أمضي وقت طويل في هذا المكان، الأمور تنحدر للأسوأ، ملابسي يأخذها الغرباء بكل بساطة، يعبثون ويحدقون في مذكراتي ودفاتري حتى الحلي أخذوها، ولا أستطيع التدخل. لا أدري كم مضى من الوقت، بالكاد عرفت الطريق لغرفة نومي مضى وقت طويل عن آخر مرة رأيت فيها زوجي وطفلي، لا يمكن استيعاب المنظر، أنا لا أعرف هذي التي تنام في سريري، طفلي يبكي وزوجي غارق معها، أقف أمامه يحدق في السقف ويتخلص من ذراعيها بصعوبة، ذهب ليرى الطفل هدهده ونام معه ثم بكى قليلاً وعاد يحدق في السقف. أفكر بقتله، من هذي التي أحضرها لبيتي؟ وماذا تفعل في فراشي؟ ناموا جميعاً وأنا خرجت، لا وجهة محددة لي، أرى الكثيرين ولكن ليس لدي ما أفعله أو أقوله.
في الصباح خرجت أبحث عن أخي لنتسلق المبنى من جديد، ولكي أعيد الأمور كما كانت. في الواقع من الصعب معاودة فعل شيء فشلت فيه سابقاً لأن الرهبة التي تصاحبه كفيلة بأن تفشلك مرةً أخرى. من جديد الأول فالثاني فالثالث، أخيراً الرابع أحتاج أن أضع يدي على الحافة الخشبية وأسحب جسدي للأعلى، أصبح الدوار شديد، أرى الحافة تبتعد وقد تصل للسماء في طريقها، وأنا سقطت من جديد، لم أنم هذي المرة نهضت بسرعة لأعاود الصعود، لماذا لا يساعدني احد؟ لم أتوقع أن يكملوا حياتهم الطبيعية وهنا أنا بحاجتهم.
لم أعرف أن الأمر يبدوا بهذا الشكل، روتين البشر قاتل، إنهم مشدودون إلى عقارب ساعة كبيرة، العقارب تنتقل مع كل حركة لأرض جديدة تحمل عملاً وحديثاً مختلفان، يتكرر الأمر باستمرار، أجزم أن الساعة تعبت منهم.
تعرفون ما هو الحبس الانفرادي؟ هو مكان تحبس فيه وحدك في زنزانة لا تتجاوز مساحتها متران مربعان، لكن هنا مساحة تتجاوز آلاف الأمتار المربعة، لكن وحدي. لقد خرجت من اللعبة باكراً، لا طريق للعودة، ويبدوا أن الأمر لن ينتهي أبداً.
لا افهم لماذا كل الأشياء تتكرر، حتى الأخطاء. أمرض بشدة من المراقبة الصامتة، وأحيانا من الصراخ غير المجدي، وأعود من جديد للروتين. هذا الواقع لا يرحم، لم يرحم قلب أم ترى طفلها يبكي ويكبر دونها، أو وحدة سيدة دون زوجها، ولا تملك الحق بالاحتفاظ بالممتلكات والأغراض التي تصبح حال رحيلك مشاعاً، واقع جديد حرمها من الأخوة والأخوات والعائلة.
وجودي هناك لم يكن عبثياً، على الأقل كنت أفكر كثيراً وقليلاً أفعل أشياء مفيدة. في اليوم الواحد أحاول الصعود للطابق الرابع ألف مرة، ويمزقني صوت طفلي، كيف أخبره "ماما تسمعك" ؟!


الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

لغة، حرب، وذكريات


كنت أخشى أن أكون متأخرة، لكنه حضر في 10:28، سحابة كآبة تهبط ببطء لكن سأرفعها "تثاؤب"، سمر تحدثني عن الفارسية والشيعة وعلاقتهم بالسنة، نعود يتحدث عن موعد الامتحان النصفي ويبدأ جدال طويل. يقول أن الآخرين في حذف بعض الفصول الموجودة في النصفي مبدأهم خطا.
كيف سيكون نمط الامتحان؟ - الامتحان يشبه الامتحان ، انتهى.
لا أفهم عما يتحدث، أستطيع التعبير بالعربية عما يقول، الآن لا يرغب بأن يعاود الشرح. يقول أنه يستخدم الكتاب لضعف قدرات الطلاب وإلا ارتجل.
بدأنا مصطلحات وشرح سريع، هل يظن أننا فاهمات؟ لو أن الوقت يمشي أسرع ! أحرف الانجليزية ترقص أمامي، والأصوات طلاسم.
وأنا لا أفهم أين أنا وماذا يحدث، لا أفهم شيء على الإطلاق، هل يمكن أن تكون الحرب قد سرقت مني الكثير؟
أفضل الشرود بعيداً، في الآتي وفي معنى كلمة "أعداء" و "جيش" و "حلفاء"، أنا لا أفهم شيئاً، المحاضر يكرر كلمات كثيرة متشابهة، أفهمها جميعاً منفصلة ولا أخرج بمعنى الكلمات متحدة في جمل، كأن ذرات عقلي تقوقعت كل واحدة على ذاتها.
نار حريق في رأسي، والجمجمة يمكن أن تتشقق، تشويش واضح في صوته، لا أظنني سأكمل جملة إن حاولت الحديث مثله، سيصيبني الدوار.
لقد نسيت كل شيء، لا أتذكر ما كان قبل الحرب.
يجب أن تكون الحروف الإضافية التي نزيدها على الكلمات ذات وظيفة في الجملة، لا بد أن يكون هذا هو علم المورفولوجي. حين يصبح جمالاً جميلاً بإضافة ful.
 يمكن للأصوات أن تبتعد أكثر ويزيد الدوار، لكن الصوت هنا ثابت لايدور ولا يقترب ولا يبتعد لذلك أنا ثابتة في مكاني، أنا في أمان.
ما زال الصوت مزعج أحتاج مكاناً خالٍ من الأصوات، الناس يسمعون الأصوات لكن أنا أراها، وهي قوية مخيفة بالمناسبة ومرهقة.
ويصبح الشيء أشياء بإضافة S، ترى من جاء بهذي الفكرة ؛ فكرة الجمع باستخدام رمز دال لا بالتكرار؟ كان ذكياً.
حتى اللحظة حاولت طالبتان طلب توضيح حول بعض النقاط، وعمل جاهداً على أن يثبت أنهما كسولات لا يدرسن أول بأول ولا يفهمن ما يسألن.
ترى ما علاقة الحاضرة بالجمع؟ لماذا جعل ال S دلالة على الحاضرة للفرد، ودلالة على الجمع في كل الأزمان؟ هذا يشبه الين والينغ تماماً.
الفكرة تريد أن تصل على شكل قطعة مستقيمة ناعمة الحواف، وأنا لا أستطيع إدخالها بهذا الشكل، لا يمكن بناء المعرفة بحجارة مصقولة ناعمة، حتى يأتي صاروخ على شكل مناظرة أو مواجهة لحقيقة ما أو وجهة نظر فتحطم بيت المعرفة وقد تسبب أضرار في بيوت الجيران. لذلك من الأفضل جعل البيت أمتن وأقوى، بصنع أنفاق للاحتياط أيضاً بالإمكان بناء ملاجئ في الفص الأيمن والأيسر من الدماغ معاً.
من الصعب إتقان مهنة أو حرفة ما ابتكرها شخص آخر، لأن كل شخص يملك في رأسه كتيب تعليمات مختلف، الأمر عميق لا داعي للشرود فيه الآن.
لقد قصفو المنازل التي تقع على الطرق الرئيسية لكي نتحسر في كل مرة نمر من أمامها، الإنسان فينا يحتضر.
حتى الآن أغض بصري عن المباني المهدمة وأنوي الاستمرار.
الكتابة أمر صعب لا أنكر، لا أرى أن أبجديات اللغات مسلمات للحفظ، أحب العربية وأحب الكتابة بها ولا أحب أن تفرض الانجليزية نفسها عليّ، أحب أبجديات الشرق جداً، أحب ملاحظة تطورها عبر الزمن وأن أكتب كل مرة بنسق يعود لزمن مختلف، امر جميل وممتع. أشعر بأن الانجليزية نرجسية وهذا ينفرني منها، كأنها ليست متفردة بذاتها حفنة من الاقتباسات تفتقد الأصالة، لها منعطفات وأحرفها متناحرة لا تلتحم سوياً، تذكرني بالأرقام العربية المرتبطة بالزوايا، مثلا حرف "B" الحرف العربي "ب" أجمل منه وأكثر تعبيراً عن صوت الحرف، الانجليزي متجه لليسار بخلاف اتجاه صوت الباء والأولى أن تكون دائرة واحدة إن لم تكن ترمز للشفاه، أما "ب" العربية ترمز لاتجاه صوت الحرف للخارج للأسفل وهناك نقطة ترمز لتلامس الشفتين، العربية ولغات الشرق أجمل كثيراً.
أما حرف "س" أظنه يرمز لدور الأسنان بإخراج الحرف حتى الفرعونية تكتبها شبه الرمز "#" متشابه مع العربية - دلالة على الأسنان، ليس رمز عشوائي السين من الأسنان وكلمة أسنان في مقدمتها السين لأنه يخرج منها.
لذلك عالم الأصوات مهتم بالمعاني والرموز، والأمر يشير لتطور اللغة عبر السنين، اللغات الحالية ليست شيئاً مجرداً، ليست شيء يحفظ ويمارس بشكل أجوف، ليس شيء يدرس بسطحية.
أمر محير آخر، اللذين ابتكروا الأبجدية واللغات كانت إنجازاتهم عمل إبداعي متميز وإن كان بطيئاً، لا بد انهم كانوا نوابغ. لكن هل افترضوا أن يكون اللاحقون أكثر ذكاءً لكي يتعلموا إنجازاتهم بحذافيرها؟
لا يجب أن تفرض علينا دراسة كل شيء، كل إنسان يمكن له أن يدرس ما يراعي ميوله، كما لا يحبب إقحام أشياء لا تناسب الميول لحقل محبب.
مناداة الأسماء لمعرفة الحضور، أفكر طويلاً كيف سألفظ كلمة "نعم" وحين أقولها أؤكد أنها بحاجة لتحسين المرة القادمة، هذي المرة كانت حادة بعض الشيء.
لم أحضر الدواء لكن لا يجب أن أتذكر الأمر كي لا أشعر بوعكة، طلاسم طلاسم لا أفهم ما أسمع فقط أعد الكلمات المتشابهة، أصنفها في سلال القش، أسكب عليها الماء وأجففها، وينفذ الماء من الثقوب، أرى إحدى ضفاف النيل كأن أحدهم يلقي درس بالانجليزية عن تاريخ مصر يحوطه رتل من السائحين.
لاحظت أن السبورة لم تمسح بعد، عليها خربشات من آخر محاضرة قبل الحرب، ولا بد للأشياء أن تتوقف عن استحضار الحرب لذهني.

غريب ان "الغناء" تنتهي بساكن، والغناء ليكون غناء يبعد عن السكون، ربما وضعت الهمزة لاحقاً كضرورة. ستنتهي المحاضرة وأخرج للمكان التي تحط فيه الطيور على الدلافين في قلب الجامعة.