الثلاثاء، 13 سبتمبر 2016

لا أحد سيأتي





نعم يا عزيزي، ستبقي في الصحراء وحيداً تلقّط الأشياء وتبحث عن تلك المبتغاة بين الدماء، ربما هناك شيء ينتحر الآن، وأفكار انذبحت لتتجزأ وتحصص.
هنا سمعت قصة من فيلسوف صغير، أصبح دماغه أكثر من ألف قطعة، يقول أن لا صواب أصوب من هذا والشوارع التي بلا ملامح هي الوجهة الصحيحة، يقول أن القصة بدأت من أم تنقضّ على حبل أفكاره وتقطعه إرباً كلما استطال لعدة سنتمترات، يقول أن الفِكَر ممتدة مثل البحر، كلما أبحرت أعمق حصلت على الكم والجودة، لكن المسكين ما نال بلح الشام ولاعنب اليمن، أيضاً اخبرنا أن أمه تتسلل صباحاً عبر أذنه لعقله اللاواعي، لتبث كما يشاع بين النساء "الكلمات السحرية" منخفضة النبرة منتظمة التردد وتتضمن أوامر ونصائح ولايمكن أبداً إلا الطاعة بإرادة أو بدونها، يقول المسكين أنه حين اهتم بالتعاون مع دار الطباعة دسّت له حبوب منع الحمل في الشراب !!
إنه يا صديقي هائمٌ على وجهه، ما يحصل معه تدمير مسلسل حسب زعمه، وكذلك ليس ممنهج لأن أمه لاتملك الخيال، أنت تقرأ بصوتي الآن وربما تراني أجلس على الأريكة مقابلك، لكنها لن تفعل ذلك ولن تجيبك إن سألتها ماذا سيحصل لو اقتحمت قطة صغيرة حفلة الآنسات المدللات، لا نلومها نحن لكن، ألا يمكن أن تعترف بالقطعة الأدبية أو الفنية كمنتج من حالة شعورية ما يمتلكها بعض الأنواع من البشر، كيف يمكن أن تصف لها العالم المحيط أو الفراغ الفارغ من الفراغ المكتظ بالأشياء والأفكار والأشخاص والتاريخ وكل شيء يحاول مشاركتك أو سواك التجربة. المسكين كان يتعذب من الاستيقاظ باكراً برغم عدم اهتمام الأغلب في البيت باستيقاظه من عدمه أو وجوده على طاولة الطعام، يصرّ أن الفاصل بين النوم واللانوم معقد أكثر من قنبلة نووية، والانتقال بين اللاوعي والوعي وتسليم الملخصات والمحاضر والتوصيات يتطلب جهداً هائلاً، أما هو فصنع ندبة كبيرة في رأسه، حين تهزه أمه تتطاير الملفات في كل الاتجاهات ويفقد صوابه! لا يرى شيء يثور، يفقد صوابه، يدق رأسه في الحائط حتى يشعر بالإعياء، ثم يجلس في الزاوية يبكي، في الشوارع الآن حين تشتد نوبات عقله، يجلس القرفصاء مولياً وجهه للحائط ويصيح "توقفي! توقفي! أكره التمتمة وكلام الصباح، أتوسل إليك توقفي!!!" ثم يفقد وعيه، بعض المرات يدركه أحد وكثيراً لا.
أظن يا عزيزي أن الانسان صغيراً ولد بمهارات مناسبة لغزو عشرة أكوان، يحلل ويصنف، ولا يحجّم الأمور، يملك خيالاً أوسع من الغابة، ولا يحب الحرب، الانسان صغيراً يملك مفاتيح كل شيء حسب تجربتي في المدرسة، يُمارَس القمع ضدي بسبب موقفي السلبي من قولبة العقول الحديثة، برأيي الخاص أرى أن أمه تحاول صنع الانسان الذي سيتجنب العراقيل الموجودة في الحياة الوسخة، والمسكينة لاتفعل شيء سوى سلبه أنيابه وأجنحته والأظافر، نعم قد يحصل وأن تفعل عكس ما تنوي عن جهل ودون دراية، قلت له أنه الآن أصبح كبيراً بإمكانه الانتقال للصحراء مثلك، وكنت سأقترح عليك استضافته، لكن أيضاً مقتنع أن تشكيل الوعي يبدأ بسن حديث وفي الشباب وكذلك صناعة الحبل الخاص بالصيد أو التسلق، وكل هذا سيشيخ معك لاحقاً، وما ضاع لن يكون بالإمكان ادراكه، هذا مرعب! أمر هذا البائس يزعجني، برأيك ما الحل؟
أتمنى أن لا أكون أثقلت بظلّي عليك هذي المرة، صدفة فطنت إلى أنني الآن من يسكن الصحراء لاأنت، يوجد هنا شح في كل شيء إلا الشحوم والمشارب، عقلي مصاب بالجدب وقلبي، توقّع زيارة قريبة منّي، وأتمنى أن أملك الشجاعة وأترك هذي المدرسة وإن كان ترك الأطفال سيكون ذنبي الذي لا يغتفر.

مع الهدوء صديقك.