الاثنين، 1 فبراير 2016

التطرف



أن تدفع خصمك للتطرف أسهل طريقة للتخلص منه. تكريس مفهوم التطرف لدى الرأي العام كاتهام وادعاء على الخصم، كفيل بكسب القضية لصالحك من جانب الرأي العام.
أما، كيف تصنع متطرفا؟ تأتي من وجود عدو أو جهة تهدد المصالح الاستراتيجية، قد لا يشكل خطرا هذا الخصم في الوقت الراهن، لكنه بكل الأحوال مصدر تهديد محتمل يفضل التخلص منه ، صناعة التطرف هي أول مهمة في سبيل التخلص من العدو أو الخصم، يتم حشره في الزاوية مع وجود استفزاز مستمر من طرفك تستغل فيه ثغرات موجودة في أي جدار، ما يؤدي بشكل طبيعي للتصدي من طرفه والرد على الاستفزازات المتكررة، التي قد تأخذ شكل معاكس لفعلك الاستفزازي القانوني ظاهريا، فتبدأ انت بتحييد خصمك عن العرف والمنطق على شكل مزيد من الاستفزاز والعكس صحيح، على مرأى من العامة، لحظتها سهل عليه أن يقع في فخك ويتبنى أي وجهة متطرفة في سبيل التخلص من ازعاجك وتهديدك ومضايقاتك وحتى اختلاف وجهته قد تكفي لوصفه متطرفا، لحظتها ستستغل الفرصة الذهبية وتظهر أمام الملأ حاملاً شعلة العدل والمنطق والوسطية والأهم انك ستشهر سيفك أمام من يهدد استقرار الكون والطبيعة ولن تبذل جهدا في كسب الدعم والتأييد فتسيطر وحيداً مسرورا قوياً حسن السمعة وتفعل ما تشاء أيضاً.
نماذج كثيرة حالياً تشبه هذي الحالة، مثلاً بعيد الحرب على العراق في مؤتمر صحفي جمع الرئيس الروسي والأمريكي بوش، أثنى بوش على العملية الديمقراطية التي تسير السياسة والحياة الأمريكية وطلب من روسيا والرئيس بوتن تحديداً أن يكون أكثر ديمقراطية ودعماً للحريات وحقوق الإنسان، لحظتها كمشاهد وجدت نفسي أقارن بين الرأسمالية والاشتراكية، هل يعقل أن يكون إرهابياً فعلاً؟ قاطع الروسي المذيع متعذرا ورد ضاحكاً 'أوه، هل يقصد الرئيس الأمريكي، أن نتبع ديمقراطية الولايات المتحدة كما في العراق؟' مر الموقف بسرعة ضحك الرئيس الروسي والصحافة الموجودة، وطلبوا سؤالاً جديداً. واضح أن محاولة بوش لم تفلح لكنها نجحت في أماكن أخرى ومع أشخاص آخرين، كيف استغل الإعلام بثقله العظيم هفوات القذافي وكتابه الأخضر ليصبح مختلا عقليا متجاهلين نجاحاته السياسية وإنجازاته على صعيد الجمهورية، ومتجاهلين أيضاً ما سيؤول إليه وضع البلاد حتماً. نفس الحال مع الوهابية مع اختلاف اتجاه الحربة، والطائفية في العراق، والفساد في مصر وتونس.
استغلال هذي الثغرات لذات الهدف لا يعني عدم وجودها أو عدم الحاجة للتخلص منها، قد يحمل الحديث معنى أن العرب قد يكونون خصماً محتملا وهذا بعيد، بل إن وجود هذي النماذج دليل على استخدام قوي ومتعارف لهذي التقنية ربما، وبداية التساؤل كانت من دافع اجتماعي.
مثلاً فلانة تقول لأخرى أنها تفسد الأطفال بكثرة عتابهم، وإن لم تعرف السبب، تطلب علانية أن تتركهم معللة أن الثانية تحتاج طبيبا نفسيا، تقول أن الثانية لاتقول الصراحة دائماً دون معرفة الحقيقة أو الدوافع،لا تجيد الطبخ أبداً مع أنها تأكل مما تطبخ الثانية، لا تجيد عملاً ما مع أنها سمعتها تثني على عمل الثانية لصديقتها سراً ، تجعل من كل قضية أو حادثة عارضة حالة عامة متكررة ومتعارف عليها،أو كأنها تملك عيون لا ترى إلا السلبيات، تقول الثانية ما لم تقل، وتظن فيها ما لا تفكر فيه أو تنويه أو تقصده.
طريقة تفكيرهما وفهمهما متعاكسة تماماً، إنها تسخر من ذوق الثانية في الملابس وأي شيء وتعتبر اختياراتها مرجع ومقياس، مع أن الثانية لا تعجبها شخصياً اختيارات الأولى بنفس الوقت لا تعلق أو تذم أو تمدح.
اشترت مؤخراً شيئاً، سلب عقلها بجماله وفردانيته، الفكرة مبتكرة جداً وأحبتها، والأولى لم تبق على أحد لم يعرف بعد أن الثانية اشترت شيئاً غريباً وقبيحا، لدرجة محاولة إقناعها بتبديله!!
قد يملك البعض لا مبالاة بهذا الشأن لكن أظن أن العرف يتطلب الإنزعاج، والتصدي لمحاولات صنع صورة نمطية شاذة، لا سيما أن البيئة غير مرنة ولا تملك أفق أوسع للتعاطي مع الأشياء بل وتقبلها.
يعني مثلاً أنت لست بتلك الغرابة، ولا تشارك بالجلسات الحوارية لأن محتواها لايناسبك وتراها مضيعة لوقتك، وهنا برأيي مربط الفرس، فأنت بكل الأحوال لن تبالي بالرأي العام، من مدخل الحرية الشخصية وتناغمها مع العامة. ولكن إن وصل بالفهم الخاطئ للحريات العامة أن يهدد كيانك ومصالحك لا بد أن تنزعج أو أن تفعل شيئاً.