الجمعة، 18 أبريل 2014

قسمة ونصيب



النصيب

جرائم بالخفاء..


الطرق كثيرة لتحب شخصاً في غزة، ولكن الخير بيّن والشر بيّن، هناك من أحب بصمت لكي يدق بابها حالما يكمل استعداداته ويجهز نفسه، وهناك من يتسلى باسم الحب. لا شك أن الفرق شاسع على الرغم من أنه غالباً ما يختلط الحابل بالنابل.

أحبها، أعلمها، ونوى أن يتقدم لطلب قلبها من ذويها، رُفض مراراً ولم يتخلَّ عن الفكرة. الفكرة هي أنه لن يرضى سواها شريكةُ لحياته، الوالد متمسك بموقفه الرافض للشاب، ألا يذكركم بقيس بن الملوح؟! لا تشغلوا بالكم فالموضوع لم يعد بذلك الصدى كما كان سابقاً حين يجن أحدهم بإحداهن ويمنعه البشر من حلمه.

أما هي فأسرَّت أمنياتها وأرادته سرّاً، ما لبث أن تغير مجرى الأمور لاحقاً، تقدم آخر لطلب يدها من أهلها، ما كان منهم إلا أن رحبوا لما عرف عنه من طيب سمعته وعمله.

أوشك الأمر أن يتم في اليوم الذي سيتسلّم ذويها فيه المهر، لكن قبل النهار جاء الشقي ليلاً للشاب الجديد، راجياً إياه أن يتراجع عن خطوته، مدّعياً حبها وأنه من يريد الزواج منها. هذا الحديث كفيل بأن يقلب الأمور رأساً على عقب ويغير مجرى الأحداث وهذا ما حصل فعلا، حين أبلغ الشاب الجديد أهلها بما حصل، وطلب التأكد من الفتاة التي بدورها أكدت أنها تحب ذلك الشقي وتريد الزواج منه، ولكن والدها يحول دون ذلك.


لاحقاً ظللت الشاب الجديد غيمة من خيبة أمل، وانسحب هو وأهله بطلبهم، وألغيت كل المراسم المعد لها مسبقاً. حتى يتحرك الوالد ويحسم أمره من يعلم كيف ضغط على ابنته، من يعلم كيف اقنعها، من يعلم من الذي أقنعها، ولماذا انخفضت قيمة المهر المتفق عليه في أول مرة عن المرة الثانية، ومن يعلم حال الشقي الآن، لتتم المراسم بصمت وليعقد قران الفتاة على الشاب الجديد. وهل هي اختارت ان تدفن حلمها بيديها، وقد أحبت الجديد وعلمت أنها ستكون سعيدة معه؟! سؤال يحيرني حتى اللحظة.


في عتمة الكشّاف أو الشمعة تجلس على الفرشة والدتها وقريباتها، ويقلن: إنه النصيب !! إذا أتى فلا مفرّ منه، رتِّب ما شئت، أحب ما شئت، لكن ستتزوج نصيبك في النهاية، هكذا هي الحياة. ربما تقتنع الفتاة فالسيدات الكبيرات يتحدثن بإيمان مطلق وكأن كلامهنّ من مسلّمات الحياة.
-         شفتي يا بنتي؟! هادا نصيبك اجا لعندك اقنعي فيه واسكتي، شفتي وين وداكي الهبل وقصص المجلات!


النصيب، ما هو النصيب؟
النصيب يشبه اليناصيب، قرعة القدر يجريها ويختار، فلان لفعلانة وعلّان لعلّانة، وإن أحب فلان علّانة فهذا انقلاب على قوانين الكون.
برأي إحدى السيدات المعمّرات في المخيم، "
النصيب بيصير لما يجي الشب والتاني والتالت وما يصيرش نصيب، لكن لما ييجي الشب الموعود الدنيا بتتسهل ما بتعرفي كيف، وبتزوجوا. هيك نصيب! ".


يرى بعض الشباب أن النصيب هو الزواج ممن تحب، والكهل الذي يفترش الرصيف يرى النصيب:
"اخو الحظ، اقلك لأ النصيب هو الحظ، مكنتش عارف اني بدي اتزوج أم أحمد، كانت امي في البلاد بدها تزوجني مريم بنت الصوّافة، النصيب يا بنتي لمّا واحنا مهاجرين في ال48 من قريتنا، طاحت مريم بنت الصوّافة ع وجهها ومن يومها بطلت مريم المليحة الحلوة، شايفة النصيب! لو اخذت مريم كان ظلو يعايروني فيها!"


لكن بالنسبة لي، بقيت الأسئلة معلقة: ما هو النصيب؟ وهل للنصيب أن يقتل أحلاماً كان يمكن أن تبني نواة سعيدة في بيت ما؟ تلك الفتاة التي اصبحت على ذمة الشاب الجديد، هل ستحبه؟ وما موقفها من الشقي "الأولاني"؟ هل ستجلس بينها وبين حالها يوماً ما في المستقبل وتفكر ماذا لو تزوجت من أحببت وأحبني؟ هل يمكنها أن تحيا مع الرجل الجديد دون مشاعر؟ هل النصيب يسعدنا دائماً؟


"تمت برجعة الكهرباء" 9:53م 18/4/14


هناك 4 تعليقات:

  1. ربما يتعلق كل ذلك بالقدر المكتوب على جبين الانسان منذ خلق ، من ستحب ومن ستكره ومن ستتزوج والخ ..
    انا متحيرة هل نحن مخيرون بقرارات كهذه ام نحن مقيدون بالقدر ؟

    ردحذف
    الردود
    1. وأين الإرادة وحرية الاختيار من الأمر؟؟

      حذف
  2. بعتقد انو تفكير عامة الناس بموضوع النصيب مبالغ فيه ويجانب القوى الخفية المتحكمة بقرارات الإنسان وكأنه لا مناص الا التسير ,مع أن الإنسان مسير في حياته في مواضيع محددة مثل من والداه واين يقطن وكونه ذكرا أم أنثي , وباقي الأمور الإنسان مخير وإلا فلا فائدة من الثواب والعقاب عالأخروي وحاشا الله ذلك , عندما قال سيدنا محمد "فاظفر بذات الدين" كيف يكون الظَفر ؟ لا يمكن أن يظفر بأستسلامه وانتظاره نصيبه دون أدني تعب او سعي منه . والله أعلم

    ردحذف
    الردود
    1. أصبت أمير، المجتمع يقدس أشياء بدون داعي متجاهلا إرادة الانسان ومسئوليته عن خياراته.

      حذف