السبت، 26 ديسمبر 2015

سنية في حسينية


لا بد من فعلها، يصادف اليوم ذكرى عاشوراء، يجعلونني موضوع نكاتهم مؤخراً. 
الحسين له صورة مبنية على روايات وصفية متواترة ، هذا يسهل المهمة كثيراً، منذ انتقلت إلى هنا أصبحت أحسب على آل بني أمية، في المجالس التي تغلب عليها الأحاديث الدينية، ترمقني فاطمة بتلك النظرة، تقول "هذا ما فعل جدك بإمامنا وحبيبنا، وابن ابنة وحبيبة خير الرسل.." ثم يضحك الجميع، حين تفكر من زاوية حاكم أو خليفة سيؤرقك التفكير بطريقة للحفاظ على وحدة الدولة وجمع تلابيبها، فما بالك لو استيقظ تمرد أو ثورة بقيادة حفيد مؤسس دولتك! لا بد من حسم وإن مات مقتولاً معروف أنه من أهل الجنة بكل الأحوال، طيب كيف اجعل اتباعه وأي مارق يفكر بتقليده؟ سأمثل بجثته، بسيطة إنه من أهل الجنة. 

حسناً، أنا لا أحب الرأسمالية لكن يبدو من الصعب أو المخيف العيش دونها، هذي القبائل كيف سيمكن الإمساك بلجامها، والحلفاء، أخشى أن حلمه شرعي لكن بعيد المنال، كلنا نعرف أن الثوار لا يحكمون، وأنهم إن حكموا قلدونا، الأمر يشبه اتخاذ موقف سياسي، والتشدق ليل نهار بمحاسن القائد أو الحزب وثم في أول معاهدة أو تصريح يتعلق بإسرائيل، تتوه البوصلة، نترنح قليلاً ونرجع خطوة للوراء ونبدأ بإطلاق مبرراتنا، كما هو الحال مع أردوغان رجل النهضة، هناك نقطة اللاعودة التي يرتبط فكرنا أو قرارنا بمصيرنا، وللأسف المركب بيغرق يا قبطان، أين القبطان؟ يبدو أن لديه زورق سريع. 

نقطة اللاعودة، إن تم الاعتراف بأحقية النظام الجديد، هناك آلاف المعترضين، والمغامرة بالدولة أقصد برأسي ليست منطقية، وهو شجاع جداً يستحق أن يخلد وأن تجعل لرأسه قصة كما سيفه وولده وذويه. 
هؤلاء الأعراب ليسوا صادقين مع أنفسهم، مبالغته في الزهد حماقة، يوجد أفكار كثيرة هنا، رايتان صغيرتات لرجلين واحد بعمامة سوداء وآخر بعمامة زرقاء وقرمزية، وقفت أمام المشهد وقلت: "دعونا ننهي الخلاف هنا."

علي الصغير خطف الراية الثانية داسها بقدميه وصفقت أمه، يغفل الكثيرين عن وجود حسين سابق في زمن الإغريق، تتلمذ على يد داعية المحافظة والخائف من نوبات السياسة التي كانت تعصف بأثينا وقتها، أتباعه زادوا بعد موته، نعرف أن أرسطو كان ابن الحياة،لا أعلم حقيقةً إن كان مفهوم الفن الإسلامي سيختلف إن كانت الغلبة للحسين عليه السلام، المهم أن كليهما الحسين وأرسطو كانا وجه الإنسانية التي تنقلب على النظام الذي يستهدف الجماعات في سبيل الأقليات. 

طريف جداً كيف أصبحت إيران حليف روسي جيد، وقد كانت حامية أمريكية في وقت ليس ببعيد، لا يغيب عن أحد أن ظاهرة العسكرة تغلب على الجمهورية، وأن راية "يا حسين" ستبقى خفاقة فوق سهول وجبال فارس مع وجود آية الله الخميني، بعكس روسيا التي تتصدر جبهة صراع إدارة أموال العالم مع أن الأمر يختلط أحياناً مع أمريكا حسب كلام المعارضة الروسية. 

هل يستغرب أحد أن يقوم عسكري أمريكي بالصعود يومياً لتلة في بغداد ينادي المهدي؟ حسنا المهدي المنتظر كان أرسطو، كان الحسين،كان غاندي، كان جيفارا، كان ياسر عرفات لو أنه...، ما علينا. 

الحجارة كربلائية هنا، بكينا سوياً حتى انتصف النهار، في قصة أصبحت تقترب من الأسطورة يجد كل شخص ذاته في أحد جوانبها، أم محمد مثلاً فقدت ابنها في الجبيل، ذهب من أجل أربع: الله، الوطن، الحسين، وأمه. يحاول رجل أن يدس أنفه بحوارنا "أربعون عاماً وأنا أبحث عن أبناء المتعة هاهاهاها...". في ذهني أحاول أن أجد طقس اتحادي مشابه، عندما كانت مكبرات الصوت تنادي لعرض مرئي جهادي أمام المسجد في ذكرى استشهاد منفذ العملية البطولية، بعد صلاة العشاء كنا نتجمع في الشارع أمام شاشة بيضاء كبيرة معلقة على عمود الإنارة، يجلس الرجال على المقاعد البلاستيكية المستأجرة، الأطفال يسدون الفراغات بين المقاعد والممرات، والنساء يضعن أطراف شالاتهن على افواههن، متكدسات أمام أبواب أقرب البيوت للمسجد وصاحبة البيت من الداخل تقدم الشاي والماء. كنا نأتي للعرض حمادة ونغادر إلى بيوتنا مشاريع شهادة. يبدأ بأناشيد جهادية وفيديو للشهداء القادة يلقون كلمات مؤثرة، بعدها مشهد مرئي تمثيلي للعملية البطولية يتبعها وصية الشهيد وصوره أثناء التدريب والكثير الكثير من الدموع والعهود والأناشيد ونغادر. 

أزمة حقيقية أن تزور حسينية ولا تلتقي بآل البيت إلا في قلبك وفي أحزانك، طيب ما العمل؟ قلبي يكاد يتحطم وأنا أنتظر أمام السرداب، مهما فعلنا لا يمكن أن يكفي، مات الطيبون وبقي واحد يتاجر بالبشر في البحر المتوسط، ذهب الزاهدون وبقي أحفاد بني أمية يشترون الحصص الكبرى في الشركات الأمريكية ويتشاجرون مع ترامب، قتل الأبرياء وسبيت النساء من العراق إلى الشام وصولاً إلى المجر وألمانيا وكندا. 

السبت، 17 أكتوبر 2015

رحلة العودة




من يدري 600$ أم 1000$ ؟ أشعر بالإنجاز! كيف فعلتها ولم أحصل على الشهادة بعد،  آخر فصل هو الأطول على الإطلاق أو ليس الأطول لأنه لا ينتهي أبداً. في أمان الآن، الأونروا مكان جيد للعمل، أكثر ما يحيرني بعد الراتب: لماذا لم يطلبوا الشهادة والسيرة الذاتية بعد؟ 
اليوم الأول كان عابراً جداً، طُلب مني تغيير البنك الذي سأتعامل معه فقط، وعدت أنتظر رسالة التأكيد من البنك أو جهة العمل. 
هل يعرف أحد ماذا تفعل جارتي في هذا المكان؟ ولماذا يقدم المدير الموظفة الجديدة للزملاء؟ طيب وماذا عنّي؟
أعترف كنت فظة جداً وهو بليد جداً، فجأة أطل من من آخر الممر وفد أجنبي، لا يوجد أحد عاقل لا يستغل الفرصة، وكأنهم يعني تفهّموا الأمر وانتقلت بي الأحداث إلى غرفة أو قبو المقابلات من جديد.
أشعر بالإهانة من سخافة أسئلتهم على كثرتها المرهقة، بشكل ما أعدت المقابلة أكثر من عشر مرات، العمر سينقضي دون العبور منها، المقابلة الأخيرة بدأت بسؤال مفتوح عن المعلقات الشعرية السبع، يستحق الأمر التحدي. قبيل السؤال الثاني تأملت المكان، قبول مظلم متعدد المداخل تبعت المدخل الذي يؤدي للأعلى، بعض الأشخاص لديهم فضول طبيعي يختبئ بين الجينات، يجعلهم يخوضون تجارب جديدة دون سبب. الإضاءة هنا مختلفة تماماً، ضوء خافت حين تتكيف معه لن تعود ترى المدخل الذي جئت منه.
أبواب كثيرة جداً، ونساء كثيرات بأحوال باهتة أو ذاهلة أو مزرية، في المداخل والأزقة نساء أيضاً متكومات على أنفسهن أو مغطيات وجوههن بأيديهن، الأسمال البالية تشبه المكان، كلام غير واضح وضجيج وأصوات عديدة.
في الداخل أكثر، مكان أشبه بزنانة خرسانية كبيرة، ظلمة نوعاً ما، كل مرة أغمض عينيّ أعيش أحداثاً بأماكن مختلفة، ربما لا أحد غيري أجرك حقيقة أن هناك أحداث غير منطقية متوالية دون تسلسل.
للأسفل فتحة بالكاد واضحة، مصابيح صغيرة ملقاة على الأرض تساعد على الرؤية، إذن لا يساعد التركيز وحده للرؤية، متأكدة أن خيالات وخوف الفتيات غير مبرر. حائط اعتراضي مكان مناسب للقفز من أعلى، يوجد الكثير منه، نحن فوق الحيطان، هل رأى أحد وطواط بحجم الكلب؟ يمكن تفاديه وتسلق السلم للأعلى نحو الضوء، نفق صغير يصعد للأعلى، المشكلة ليست بالمتاهة ولا الوطواط بل الوحش البشري ذو الأنياب القادم! 
لم يبق الكثير، الشمس ساطعة بالخارج، حسب ما شاهدت في الأفلام لا يحتمل مصاصوا الدماء الضوء لكن لا يخبئون عيونهم بأيديهم ويصرخون من التسلخات ويستمرون بالمطاردة! يستطيع أن يلحق بي على سكة القطار ويغرز أنيابه برقبتي، لكن لماذا يحمل سكيناً ؟؟
أن تجد مساعدة بلحظة حرجة أمر متوقع جداً، رجل وزوجته وابن لهما يركضون لهنا، من المريح أحياناً الاستسلام على أمل الراحة أو انتظارة النجدة،  يبدوا تأثير الطعنات مخدراً، هذي أربع سكاكين ليست واحدة.
تظهر بالسماء بشكل طبيعي وليس مستغرب شاشة فيها قائمة أسماء على شاكلة تويتر، ربما إن اخترت أحد يأتي ويساعد، أول اسم لفتاة مكتوب بالعربية واسم المستخدم مختلف تماماً!؟ إذن لا شيء حقيقي، الصوت الغامض ما زال يهمس من أعلى، يتوقع، يحذر، ينصح، ويهزأ أحياناً بمن أرى أو بعض المواقف، وأعود من جديد للمكان السابق على أمل الخروج.

الاثنين، 12 أكتوبر 2015

سؤال لأي شخص



لو افترضنا أنني أو أنت في مكان بين مخيم ومنطقة شرقية حدودية، أنت في الوسط تعيش على الطريق العام، وحصلت مجزرة في المنطقة الشرقية، كان فيها رجل في بيته، أصيب برأسه إصابة مباشرة وهو يركض باتجاه الغرب، أراد أن يصل بيت العائلة في المخيم، هو يجري الآن باتجاك أنت ليعبرك ويكمل نحو المخيم، إنه يقترب، عيونه فارغة تماماً ونافورة مفتوحة في رأسه. أريد أن أتوقف هنا لنفكر لو أردت أن أصور المشهد وأعلم أنه سيحصل سلفاً هل أبدأ بك أنت أم الرجل ! الرجل لا يفكر إلا بالوصول للمخيم سيرتاح وسيفكر بماهية السائل اللزج الذي يعمي عينيه، كل شيء مؤجل لغاية الوصول المهم أن يركض ويصل الآن. أنت في بيتك هرعت للباب على صوت القنابل والقصف والناس تجري وتجري وبصرك مركز على الرجل ذو الرأس الدامية "لماذا لا يتوقف لتلقي الإسعافات؟ إصابته خطرة المجنون لأين يذهب؟!! ليوقفه أحدهم، لماذا لا أفعل أنا، لماذا لا أساعده، لو استمر سيموت! تبدو جمجمته من الأعلى محطمة! لماذا لا أوقفه، يجب أن أوقفه، لحظة ربما غيري سيفعل أو من الأفضل ألا أفعل....."..
السؤال هنا كيف ستُرِي المشهد لغيرك؟ من أين ستنظر؟ من  أين ستبدأ؟ ألا تخشى لو بدأت بالرجل الذي يجري سترى نفسك مجرماً أحمقاً ربما أو خارج دائرة الحدث، وإن بدأنا بك لن ترى الرجل إلا جزء من المشهد، لا يهم أن تتحرك المهم كيف تتوزع القصة بعدالة؟

لنحاول أن نكمل علنا نصل لحل المرحلة الأولى لاحقاً، وصل الرجل أمام بيتك وأنت أمام القرار الحاسم! نزلت مسرعاً تجاهه سيصلك خلال ثوان، ستتلقفه بذراعيك وتضع قطعة القماش على رأسه لكي توقف النزيف، هاااه وصل تقريباً ......

الرجل رآك في طريقه ظنك ستعرقل فرصته في النجاة، تردد للحظة بأن يقف، يحتاج أن يوقف النزيف، لكن الأمور تتعقد وهو لا يرى نفسه إلا في البيت، أمه زوجته وأطفاله وباقي العائلة، سيكمل سيكمل مهما كلف الثمن وسيتخطى الكائن الغريب الذي يقف بطريقه سيتخطاك، لقد كاد أن يصلك فيتجنبك بخطوة سريعة رشيقة أثناء طيرانه، سقط شيء !! سقط منه شيء ما توقف لأجزاء قليلة من ثانية وأكمل الطريق، نفسه تحدثه بأن ينظر للخلف ولن ينظر لأنه سيصل البيت في المخيم، لا أسرع منه الآن يكمل العدو، بدا جزءاً من الخيال في الأفق وهو يركض.

لنعود لك أنت، فتحت ذراعيك عن آخرهما ستمسك بالرجل وسترجع للخلف قليلاً لكي تمتص ارتطام جسده بك، بقي متران فقط سقط الرجل وارتطمت رأسه بالأرض، تطايرت أجزاء من دماغه ونافورة الدم تسقي الشارع، لقد سرق ما في عينك، وأصبحت عيناكك فارغتان أنت أيضاً، وصل الإسعاف أيضاً من الخلف يجري المسعفون ولم يلحقوه.

حملته أنت والمسعفون، وأنت ترى بعينيه، الكون أحمر والصفائح التكتونية ترتطم بقاع الكوكب وتصعد، أنت لا تدري ما تحمل ولا لأين ولا لماذا، لا تدري بأن الرجل ما زال يركض؟!

ما أفضل طريقة لترى ما ترى، ما افضل عين وأين تقف على الشرفة المقابلة مثلاً؟ من أين بدأت الأحداث؟ ومِن مَن؟ وأين موقع الرجل من الكون الذي انهار أمام عينيك وأين انت وكيف ستأخذ الآخرين إليك؟؟؟؟

لا يوجد تخطيط قلب


أحياناً ساعة قد تختصر يوماً كاملاً، وهذا ما أظن أنه حصل اليوم، قبل ساعة من الآن اتصلت والدتي بأن أخرج معها لمشوار "مستعجل"، حين حضرت البيت تبين أنها بحاجة للذهاب للمشفى لإجراء تخطيط قلب نظراً لحصول تسارع، ذهبنا بسرعه انتظرنا في قاعة الطوارئ مع الجثة المرفقة صورتها، بدى عليها التوتر  قالت بأن بإمكانهم أن يضعو الجثة في الثلاجة أو مكان آخر بعيداً عن هنا! انتظرنا الفحوصات وجاء بعد الممرض طبيب في العشيرينات من عمره أحضر حقنة، طلب منها الكشف عن الوريد ولا بد منها لانتظام ضربات القلب! أوقفته أمي وقالت أنها لا تحتاج لها طالما أنها تتناول علاج منظم لضربات القلب، حاولت عبر عدة أسئلة معرفة نوع الحقنة فابتسم وانسحب من المكان عائداً مع طبيب أكبر منه سناً ويرتدي تي-شيرت برتقالي، حاول الاستفسار عن طبيعة العلاج الذي تتناوله والطبيب التي تتابع لديه واسبب من قدومها للمستشفى، أجابته بأنها تحتاج لتخطيط القلب لمراجعة الطبيب بعد زيارة المستشفى كالمعتاد في حال حصول طارئ على حالتها، نزع اللاصقات المتصلة بجهاز تخطيط القلب وخرج لطاولة الاستقبال، خرجنا خلفه وطلبنا التخطيط فرد قائلاً "ما في تخطيط، ما عندك أي مشكلة، ممكن طبيبك يعملك تخطيط!" انتهى.

خلال مكوثنا في غرفة الطوارئ لم نجد أي أحد قرب الجثة اصغيرة على السرير المقابل فقط الملابس الممزقة في السلة، لم يوجد تبريد، وكانت ذبابة تحاول الدخول من تحت الغطاء، ربما من البديهي انتقاء النقطة السابقة لكن ما المبرر لمعاملة طبيب لمريضة بهذا الشكل؟ ولماذا يقو بأنها سليمة تماماً طالما حاول أن يعالجها بحقنة؟! وما مكونات الحقنة؟ أليس من حق المريض المعرفة؟

كما رأينا الموت رأينا طفلة حديثة الولادة في سيارة العودة، ولكي نرجع للواقع الواقع مررنا على جلسة نسائية، قالت فتاة أن "فكّت عينها" ! وحسب التوضيح حين يظهر في عين أحد "الشحاذ" يحضر كسرة خبز من أحد الجيران "أي شخص المهم ليس من العائلة" يحرق ويتم تكحيل العين به ويختفي "الشحاذ".
ساعة واحدة كفيلة بأن نبني القلعة حول أنفسنا ووندعوا ألف مرة ألا نصاب بأي علّة أو حاجة أو سبب للخروج أو حتى الاختلاط حتى حين.




السبت، 10 أكتوبر 2015

لا بد أنها الأشباح


الليلة بلا قمر وما زلت أرابط في المكان المعتاد، أيضاً الليلة الرياح قوية، سمعت صوت احتكاك جسم بالأرض مرتين، ربما شخص ما، بعد المرة الأولى فكرت في أكثر من احتمال، قد يكون جارنا وزوجته! ترى متى صعدوا للسطح وكيف لم أرهم أو أسمع شيء؟ لماذا لا يكون أخي الذي تسلل من خلف خزانات المياه ليمازحني في إحدى المرات وكاد أن يتسبب بنوبة قلبية، ربما قطة؟ ليس لدينا قطط في البناية أصلاً! الصوت يتكرر، اعتدلت فوراً في جلستي وتفحصت المكان، الرياح قوية، الغسيل يكاد أن يحلّق في الهواء، الأشجار ترقص على صوت "بحيرة البجع"! لا يوجد صوت مسموع لكن الإيقاع واضح جداً ! 


مجرد فكرة وجود شخص ما هنا قد تكون مخيفة، الحل الوحيد هو استدعاء أحدهم لنثبت الفرضية ونرتاح، يوجد أشباح هنا، بالذات خلف خزانات المياه بجوار حبال الغسيل، هناك تقع الجلبة كلها. شبح لفتى ارتقى في مواجهات في عالم مواز ربما، لدي إيمان راسخ بأن الأشباح إن وجدت لن تكون مؤذية، جل ما تبغاه أن تؤنس وحشتها فقط، وأنا لا أمانع، لست بصدد إثبات وجود الأشباح من عدمه، المهم أن شبح الفتى في المكان، وجود شبح أهون بألف مرة من وجود إنسان، وجود أحد من أبناء جلدتنا هنا يعني إرباك مضاعف وخروج عن بروتوكول العزلة، بعكس الأشباح طبعاً، الصوت يتكرر، إنه الشبح لا بأس.
في الأعلى تحجب السماء كتلة ثلاثية من غيوم مستعجلة، تدع المجال لي للتفكير بأمور مشابهة على الأرض هنا، الرياح تصفر وقد صنعت بيدي صدفة سمعت صوتاً مضاعفاً والأمر ممتع بكل الأحوال، وراء الغيوم توجد غابة من النجوم، بعد التدقيق لا تبدوا السماء سوداء، يوجد عدد هائل من النجوم، ثلاثة أو خمسة بضوء أقوى ويبدأ التدرج باللمعان حتى  الاختفاء.
لا تنتهي الأمور دائماً كما نرغب، دون صوت أو حركة كما توقعت، ضربة من وسادة اسفنجية من أعلى "ليش نايمة!" مهند لا يمكن أن يكون شبحاً.

لنكن واقعيين قليلاً إن لتدوين اليوميات ميزات جيدة، خصوصاً للمدون، وكأن أيام العمر لا تسقط كلها، بعضها تثبت بمسامير ربما، أعيد ربما، كذلك ليس بالضرورة أن تكون الصورة كما ينقل، لأنه ينقل ما يريد وكما يريد، فلا يظنن أحد أن للقارئ سلطة هنا، وهذا قد يشكل حافز للكتابة بكل الأحوال. تختلف الأهداف وكثر يكتبون، الدوافع مختلفة والنتائج كذلك، ما الفائدة مثلاً من نص رديء منتشر، أو نص جيد أيضاً منتشر ولكن جمهوره من القشور! لا يمكن الحسم لأن موضوع الكتابة هلاميّ بامتياز، ولا أظن أن تشيكوف مثلاً كان يكتب للمال فقط، الرجل أخرج أفضل ماعنده بالنهاية. كثيراً أسأل نفسي هل كتابتي جيدة؟ تكثر التعليقات والملاحظات ممن أقابل في الحياة الواقعية ويكونون قد صادفوا إحدى التدوينات، لأكون صريحة صديقتي أمل الوحيدة التي آخذها على محمل الجد ولكن ليس تماماً، إنها تحلل النص من تسلسل وأفكار وأسلوب وفكرة عامة، يهمني دائماً أن أعرف ماذا ترى هي، في التدوينة الأخيرة التي تتحدث عن الزواج، كنت صادقة تماماً حين قلت لها أنني مطمئنة لصحتي العقلية خصوصاً بعدما قرأت تعقيبها الكامل، يتبين لي هنا ربما أنني لا أكتب إلا لأرى ماذا لديّ، أعود لسؤالي، هل أكتب جيداً؟ إن حاولت مقارنة كتابتي بأول مرة كتبت فيها والقصة التي فازت بأول مسابقة أخوضها، فأنا أكتب جيد جداً، لكن مقارنة بالكثير، كتابتي متواضعة جداً وأهم ما في الأمر أنها تعبر عن بيسان الأخرى التي تخجل مني، وإنّي وإن كنت باطنياً أريد أن أكتب مثل فلان أو فلان، لذلك أقرأ نفس النص لحسين البرغوثي أو غسان كنفاني خمس مرات ولا أصل ولعلّي أصل.
إذن انقطعت عن الكتابة طويلاً وليس هناك ما يكتب، أصبحت لديّ عقدة التدوين، قبيل النوم أكتب تدوينة عبر الإنترنت الافتراضي أكبس على زر "نشر" وأنام، لاشك أن الإنتقال أثّر عليّ وحاولت جهدي أن أحصل على إلهام واحد في أول شهر ولم أستطع، لا يهم إن كنت أكتب أو لا، المهم الإشارات من وراء ذلك، في المحاضرات أدون الكثير من الملاحظات لكن لايمكن أن تكون على شاكلة التدوين ولو أنها ليست من صميم المادة العلمية مباشرة.
كل المؤشرات والاقتراحات الداخلية تشير إلى الداخل أكثر، ومن يدري؟! على الأقل سيكون سؤال المرحلة (لماذا الكتابة؟).




الاثنين، 28 سبتمبر 2015

العروس


قبل فترة وجيزة كنت مضطرة لمجاملة فتاة تزوجت حديثاً، تطلب الأمر زيارة خاصة بما أنني لا اطيق حضور حفلات الزواج، الفتاة ليست معروفة في المحيط بالقدر الكافي، لا أقصد التقليل من قدرها ولكن خلق الله الناس قدرات، هي خلقت بمعدل دراسي لا يصل ل 75% وقدرات محدودة على نطاق السمع والنطق أحياناً ولكن لمن يركز فقط. لو لم تكن عزيزة على قلبي لما زرتها، الزيارة التي الرسمية الأولى بيننا، هي دائماً تخشى الخوض في الحوارات ولا تجد ما تقول، تتعلل دائماً بأن ليس لها في السياسة والهراء، لكن تستطيع التعقيب في أمور مثل السافرات في غزة، وكيف يمكن أن تخرج فتاة متبرجة، أو كيف ممكن لفتاة أن تلبس جينز وتخرج في الشارع، هي ورفقتها مصرات أن الله لا يقبل صلاة أي متبرجة أو سافرة أو حلوى مكشوفة، في الأمسيات الحميمة كنا نجلس ونسمع قصص عجيبة، مثلاً تلبس الجن بإنسان وزواجه منه، وذكرياتنا مع الاجتياحات، آخر صرعات الموضة، الأغاني الجديدة في السوق، وطبعاً أكثر المواضيع إثارة قصص الرعب من خطف وقتل وزواج قسري وأشياء مشابهة ولا ننسى بكل تأكيد عذاب القبر والقصص المنقولة بالتواتر عن فتيات لا نعرفهن مثلاً أفاعي تأكل الجثث، وكيف يتحول القبر جنة وهناك شهور، يأكدن حقاً هناك شهود "على ذمة المصدر المجهول". 

أجزم أنها لم تتسائل عن ماهية وجودها وماذا الآن بعد الثانوية والجامعة، هناك حيث لاينفرد الإنسان بنفسه، يبدوا الكلام مبتذل قليلاً لكن حقيقي جداً. يوجد عادات معينة متبعة خلف الأبواب المغلقة خاصة بالنساء فقط، العروس في شهرها الأول تبقى متبرجة أغلب الوقت، ويتم التعامل معها وكأنها ولية عهد مملكة ما لفترة معينة، تمتلك امتياز على قريناتها والنساء الأخريات، كانت ترتدي فستان غريب غير مناسب لجلسة عادية، كان معي أطفال شعروا بالحرج قليلاً، أبقوا أنظارهم على الأرض لكن تقدمت وانخفضت لتداعبهم وتطمئن على أحوالهم، ما زادهم خجلاً وإعراضاً، اعتدلت في جلستها وعادت للخلف، لا لم تعتدل تماماً، لم أكن مرتاحة ومعنا كثيرات، يغازلنها وكأنه تحرش عام، وهي تتلقى المجاملات الحساسة بسعادة بالغة بادية عبر ما يسمى بلغة الجسد، عملت كل جهدي لأجد موضوعاً نتحدث فيه، كأن كل العالم لحظتها تلخص بجمال العروس والزهور التي تتفتح في وجهها، كذلك حال الأخيرات من لم يحضرن للعرس بسبب الغيرة غالباً أو خلافات سابقة، والحديث عن اللواتي حضرن ورقصن وقمن بالواجب وزيادة، ثم أخيراً جولة حول حال المتزوجات في المنطقة ومن وضعن حملهن واللواتي ما زلن يحملن، ثم لا نعرف كيف أتى ذكر المطلقة حديثة، يشارك الجميع تعليقات يملؤها الأسف والشفقة، نشرب العصير ثم الشاي وتنتهي الزيارة، أحضان وقبلات باردة والسلام.
لدى المعتادين على حفلات الزواج والزيارات أمر طبيعي، أنا لم أنسجم هذي المرة ولا أظنها ستتكرر. طالما حيرتني النظرة أو الفكرة التي يرونني بها، أتذكر حين سألت أمي أم تلك الفتاة عن جارة ابنتها، فصدمتني الإجابة "لا تتحدث كثيراً، غلبانة، في حالها، زي بنتك !" أول رد جاء مني "أحا !!! هذي السيدة لا تعرف كيف تفك الخط ولا تعرفني كيف تقول عني هذا؟!!!" 
المهم أمر هؤلاء القوم محير جداً، بصراحة يعجبني إيمانهم المطلق بما يفعلون ويصدقون ويقولون، موضوع الحلال والحرام لديهم مرتبط بالغريزة ولو يعلم أحد تلك البقعة السوداء في تاريخ الإنسان يعرف ماذا أقصد، حتى الأشياء التي تحدث بشكل عفوي وطبيعي مرتبطة بالغريزة بشكل مباشر، كل شيء يحصل بالبركة وكما كان ويكون وسيكون، يعني مثلاً ما غرض الأنثى إذ ترقص بالشكل المثير وسط الإناث، وما علاقته بالحروب الباردة بين العائلات، أعرف أن الأفق هنا محدود ومعلومة حدوده لكن لا أستطيع لمسها إطلاقاً، ولا أستطيع حتى اللحظة حضور حفل زفاق واحد.

حفلات الزفاف فضائية بالكامل، تشعرني بالدوار وأرى مشهد ساخن لنار مشتعلة وسط القرية يدور حولها هنود حمر يلبسون تنانير قصيرة من ورق الشجر ويصرخون بكلمات غير مفهومة، كل شيء يسري بسرعة والكيمياء تتحكم بالقرارات، الكل مستعد للتجهيزات ولو اضطر للدين، تدريبات مكثفة من رقص وأغاني وحركات، ناهيك عن الاستعداد النفسي، عشرات المواقع الإلكترونية، والخلطات والعلاجات والملابس، أخجل من تشبيه الموضوع بتجارة ما، لكن صدقاً الأمر اقتصادي بحت، هناك عبء اقتصادي ينتقل من موقع لآخر، المشكلة أن العبء يزيد لاحقاً وأن الحل فعلا مؤقت، اتساءل عن مفهوم التطور والحضارة ومفوم الإنسان البدائي أو الإنسان الأول وكم يشكل منا بالمئة، وإن كان الإنسان فعلاً جهاز استقبال وإرسال، إن أزحت الستار عن المادة تجاوبت المادة، وإن كتمتها قليلاً تفعل الجانب الأثيري، في النهاية ما زلت أتسائل عن أصل نشوء الرقص.

الأحد، 28 يونيو 2015

الترجمات الحديثة للأعمال الأدبية الشرقية القديمة - ملحمة جلجامش

جلجامش يبكي أنكيدو



ماذا لو تطور الإنسان إلى الحد الذي يمكّنه بأن يصبح سيد الكون، هل يمكن أن نكون واثقين بأنه خلال هذي العملية الكبيرة من التغير ستنتج اللغة كناتج طبيعي من شجرة الحضارة؟ حتى اليوم يختلف العلماء على أصل اللغة وكيفية فهمها وإن كان بالإمكان الاعتماد على المتلقي في إدراك المعنى المراد إيصاله، إلى علماء الإغريق الذين اختلفوا حول علاقة الصوت بالإشارات المرمزة للّغة المكتوبة، حتى علاقة اللغة المنطوقة بالمكتوبة، والبحث حول الأصل انطلاقا من البيضة والدجاجة، حواء أم آدم إلى الرمز أم المعنى.
أول نص قديم مكتوب "جلجامش ملحمة الرافدين الخالدة" المكتوبة باللغة المسمارية على اثني عشر لوحاً طينياً، الألواح التي وجدت في المكتبة الشخصية للملك الآشوري الملك آشوربانيبال عام 1853م، وظهرت أول ترجمة للملحمة بعيد سنوات من المسمارية إلى الانجليزية على يد جورج سميث، ترجمات الملحمة توسعت إلى لغات عديدة ومختلفة، حيث أول من ترجمها إلى العربية طه باقر، الملحمة تنتقل بنا تدرجياً من الحياة في أوروك وصراع الملك جلجامش مع الآلهة بالذات عشتار، ثم مقتل صديقه انكيدوا الذي دفع بالملك الحزين للخروج في رحلة البحث عن الخلود وعودته أخيراً إلى أوروك.
اختلفت الترجمات، وظهرت أخطاء فادحة من المترجمين الأجانب الذين حاولوا ترجمة الملحمة وتقريب الكلمات لعدم تناسقها مع السياق، أغلب من وقعوا بهذا الفخ هم الأوروبيون الذين يعانون من افتقار المعرفة بالنسبة للثقافة والموروث الشرقي، نفس الخلل حصل في ترجمة النصوص الفرعونية التي يسعى علماء اللغة والمترجمون إلى تصحيح مسارها حالياً.
إذا ما بحثنا عن سر اختلاف الترجمات، نرجع إلى النظام اللغوي ومشكلة الاعتباطية والقصدية التي سنستعرضها بإسهاب، ربما يكون الحل الجديد وسيلة لتوحيد سبل النصوص القديمة، أو إيجاد علاقات بين السابقة، أو مفاجآت لغوية أو تاريخية تنطوي على الترجمات المعدلة للنصوص.



يمكننا فهم النص من جانب لغوي وذلك بوجود الدلالات الكافية، الأمر الذي لا يخلوا من وجود بعض الإشكالات خصوصاً لدى علماء اللغة، تتلخص النظرية اللغوية السائدة  في إمكانية وجود تأويلات متعددة للنص الواحد، حيث يقوم علم اللغة على اعتباطية الإشارة اللغوية التي تقدمها الدلالة، بمعنى أن المفردة لها دلالة متغيرة اتفق عليها تبعاً لزمان ومكان ما، الذي يؤدي لاختلاف معنى المفردة الواحدة بين زمان وآخر أو مكان وآخر.
يكمن الحل اللغوي الجديد حسب عالم اللغة العراقي "عالم سبيط النيلي" باعتبار المفردة تعاقب صوتي ذو دلالة أساسية عامة، بينما علم اللغة الحالي ينكر دلالات الأصوات، يكمل النيلي بأنه اكتشف دلالات فيزيائية حركية للأصوات، من تجاربه استخرج دلالات عامة ثابتة للمفردات وبهذا تسقط المترادفات والمجاز والاستعارة.
عند تطبيق الحل اللغوي "الحل القصدي للغة" على النصوص المختلف عليها ظهرت مكتشفات جديدة، أما النظرية الاعتباطية في الفهم اللغوي تقول على لسان فرديناند دو سوسير صاحب كتاب علم اللغة (اللغة نظام لا يخضع لأي أساس منطقي علمي واضح) نفهم أن إدراك النص يعتمد على المتلقي لا على المتحدث لذلك يموت القائل في نصوص كثيرة أو ينسب لمجهول، وعند إلغاء المتكلم يظهر تأويل النصوص، لنتحدث قليلاً عن تأويل الكتب ومصادر التشريع الدينية إذا نحن اعتمدنا على التأويل فستختلف التفسيرات وتتعدد وتتشتت ونقع في مشكلة.
التناقض يحدث حينما يصرح سوسير بنظرته للّغة أو تعريفه لعلم اللغة ثم يؤلف كتاب علم اللغة، مع الأخذ بالنظر أن اللغة إن كانت "نظام غير منطقي" فإن أي نظام أياً كان يخضع لحد أدنى من العلاقات المنطقية، بخلاف الحل الجديد الذي اكتشف الدلالات الفيزيائية في الأصوات وساعد على تصحيح نصوص قديمة ونصوص العهد القديم والجديد وتأويلات دينية أخرى بالإضافة إلى تصحيح المعاجم. نظرية عملية شاملة سقراط تحدث بها ولكن لم يستطع البرهنة عليها في زمانه، تجدر الإشارة إلى أن النص الديني الحالي مثالاً عليه الكتب السماوية وفي حال كانت النظرية السائدة القديمة صحيحة فكيف يمكن أن يحاسب الخالق مخلوقاته على نصوص مبهمة قابلة لتأويلات عديدة ومتناقضة بل ويأخذ بهذي النصوص حجة على الناس.


هناك فرق حين تترجم نص باذخ الجمال ومكتنز اللغة من لغته الأم أو من لغة حديثة مترجمة، للأسف في أواخر القرن التاسع عشر وحين ظهرت ترجمة جورج سميث، تسابق بعض العلماء والمهتمين على نقل الترجمة إلى لغاتهم وليس نقل الملحمة، الأمر الذي تسبب في إشكالات في فهم الملحمة، حيث تم استبدال كثير من الألفاظ والكلمات إلى كلمات مقاربة.
ظهرت كتب عديدة مختصة بالملحمة منها ملحمة جلجامش لفراس السواح وللعراقي عالم سبيط النيلي كذلك طه باقر المترجم الأصلي للملحمة إلى العربية، وكتاب جورج سميث بالإضافة للروسيان إ.م. دياكونوف وي.س. ترافيمونوف وإصدارات قدرت بالعشرات أو مايزيد.
يوجد حالياً ثلاث نسخ من الملحمة وهي نينوى، الحيثوية والبابلية، وهناك اختلافات بسيطة بينها، لكن الثلاثة تعود لأزمنة مختلفة أحدثها نسخة نينوى التي وجدت في مكتبة الملك الآشوري آشوربانيبال.


فيما يتعلق بالكتب الصادرة في الملحمة المذكورة، ظهرت إصدارات مختلفة وأخرى متشابهة للملحمة هذا الأمر يعتمد على طريقة الترجمة التي اتبعها المترجم أو العالم. بين ترجمة سميث ودياكونوف هناك تقارب من حيث استخدام لألفاظ معينة وتغيير في المواضع بالنسبة للأسطر والأبيات.
مثلاً يعقب النيلي مستخدماً ترجمة باقر بأن الملحمة تذكر أن الملك جلجامش بثلث بشري وثلثاه إله، وحسب الترجمة الصحيحة فالألوهية هنا جاءت صفة بمعنى أنه امتلك علماً وحكمة تقربه إلى مستوى الإله حيث هو انسان طبيعي يمكن أن يصل لحالته الكثيرين ولم يكن كائناً خارقاً كما يذكره الآخرون.
بذلك الترجمات الجديدة تضع حلاً للتناقضات الكبيرة بين النسخ السابقة للملحمة، مثال آخر هو الآلهة المتعددة في الملحمة التي لم تكن تبعاً لترجمة الحديثة سوى رموز استخدمها الكاتب لإجراء حوار فلسفي عميق يظهر قيم المجتمع في ذلك المكان والزمان. أيضاً خطأ فادح نلاحظه حين نرجع للترجمة البابلية والمصطلحات هو كلمة "لابينو" البابلية التي تعني الأشجار الصخرية العظيمة والتي ترجمت إلى غابات الأرز وبالتالي تم اختيار لبنان مكاناً لمعركة جلجامش مع خمبابا، في نفس النص في لوح آخر ذكرت كلمة "تيستوم" والتي تعني غابة بالبابلية ما يعني أن الكاتب لم يقصد مطلقاً باستخدام لفظة "لابينو" غابات الأرز بأي حال من الأحوال. في وصف الملحمة للظواهر الطبيعية الخارقة يستخدم "يراقبون الليل والنهار" وهنا اعتبرها المترجمون الأوربيون أنها آلهة خارقة متخصصة بالليل والنهار وهو يقصد الإشعاعات والأجرام الكونية التي يراها الانسان البابلي ليل نهار، حتى دياكونوف يتحدث عن ألفاظ مبهمة تعمد تجاوزها ولكن الحل الجديد لم يتجاوزها بل أثبت صحتها وأن النص دونها تسقط قيمته الأدبية والمعنوية.
تبدأ الملحمة ب" الذي رأى كل شيء" يفسره الباحثون على أنه كائن خارق ولكن هذا غير صحيح بالمطلق لأن الذي "آتيناه من كل شيء سببا" هو الذي منح الأسباب والمعارف والعلوم في الكون وهي صفات الملك الذي عاش وحرر أوروك "جلجامش".
"عشتار" أعظم آلهة البابليين كما يقال، هي لفظة بابلية تعني "العيش المبتور" ويرجع بعض العلماء أمثال النيلي بأنها رمز للحياة، لأن عشتار هي آلهة الحب ليلاً والإخصاب والولادة والتكاثر صباحاً والحرب والعمل نهاراً والخصب في أغلب أوقات السنة خاصة فصول الحصاد، تتحدث الملحمة عن لعنة عشتار التي تمسخ من يخدع بها الكثيرين مثل الراعي والمزارع وغيرهم، حيث الراعي الذي اغتر بعشتار مسخ إلى ذئب يسمن الخراف ليذبحها، وهنا قيمة فلسفية عميقة أسيئ فهمها والتعاطي معها، هذه ليست خرافات أو أساطير وإنما قضايا ذات أهمية وليست وهمية.
الصراع مع عشتار يمثل حسب الحل الجديد صراع جلجامش مع الحياة ولا سيما بعد وفاة صديقه أنكيدوا وقراره الذهاب في رحلة للبحث عن الخلود حتى انتهى به المطاف رافضاً كل النعم التي تحاول عشتار إغراءه بها.
حسب الترجمة القديمة تضرب عشتار بعصا سحرية لتمسخ ضحاياها، وهذا تأويل واضح من المترجمين اللاحقين أمثال سميث ودياكونوف وبعض آخرين.
في العقد الأخير يقود الحل اللغوي الجديد العالم العراقي "عالم سبيط النيلي" الذي يتحدث عن نظريته في كتاب "اللغة الموحدة" و "ملحمة جلجامش والنص القرآني"، الحل الجديد يضع نهاية لكل الجدل القائم منذ مدة طويلة، وتتجنب تقدير الأجزاء المخرومة من الألواح والتقدير الاعتباطي للكلمات المفقودة أو غير المفهومة أو التي كما يرون لا تتماشى مع السياق، مثلا هناك تناقض بين العمود الأول والثاني من الملحمة في اللوح الأول حيث الأول يمدح الملك جلجامش والثاني يذمه، وحصل هذا اللغط بسبب تقدير الجزء المخروم الذي يعتقد بأنه يبدأ بالحديث حول آراء المعارضين للملك جلجامش بذمه وليس الكاتب الذي يذمه، وإنما يمدحه من خلال ذم أعداءه، كاتب الملحمة ليس مجنوناً ليأتي بهذا الكم الهائل من اللغة والصور والحوارات ليتناقض مع نفس في لوح واحد، يبدأ بمدحه بالقوة الجسدية، المعرفة العلمية، الشجاعة والعدل. الغريب أن العلماء يتجاهلون اللوح الأخير الذي يذكر تفاصيل الطوفان العظيم بما يزيد عما ذكرته التوراة بصيغة المخاطب المفرد.

الذروة العظمى للملحمة والتحويل الرهيب للوحش البري عدو الملك جلجامش إلى صديق، يعتبر أهم أحداث الملحمة حيث يتجلى جمال أدبي باهر حيث تكشف المكيدة الكبرى التي تدبرها الحياة وينقلب انكيدوا على كل القواعد والقوانين ويصاحب جلجامش في رحلته، إن الحياة بمجملها ملحمة متكررة تتكرر منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد إلى اليوم، ما أشد حاجتنا إلى الحل اللغوي الجديد الذي يسعى إلى الكثير من التصحيح والتجديد في التراث العظيم الذي ورثناه.




يمكنكم الرجوع للكتب التالية:-
ملحمة جلجامش والنص القرآني : عالم سبيط النيلي
اللغة الموحدة: عالم سبيط النيلي.
عربات الآلهة : إريك فون دانيكن.
مقتل جلجامش: ترافيمونوف
ملحمة جلجامش: دياكونوف
ملحمة الرافدين - جلجامش : فراس السواح
موسوعة تاريخ الأديان: فراس السواح
ملحمة جلجامش: طه باقر الصدر


الخميس، 25 يونيو 2015

مكدوس



في كل مرة أرغب بشيء جديد، البداية هي أكثر الأمور تعقيداً، يمكن بسهولة انطلاقا من المباني والشقق، أن نعتبر أنفسنا في الطابق الثاني أسفلنا كائنات أخرى يفصلنا عنها لوح زجاجي، الأدلة أكثر من أن أحصيها، يعني مثلاً الخبز والطعام حين تسقط أرضاً ألا تقول العجائز أن الشيطان يلعقها؟! لكي تبطل مفعول لعاب الشيطان يجب أن تذكر اسم الله وتقبل قطعة الخبز عندها يمكنك أن تأكلها بكل طمأنينة، الألعاب التي تتناثر على الأرض وأحياناً تفقد، ألم يكن يغني الأطفال قبل عدة عقود "يا إبليس إلعب فيها وهاتها" بعضهم استعاد ألعابه بعد هذي التسوية مع إبليس وما زالوا أحياء يروون التجربة.
 أما الطابق الثالث فقصته كما يقال "عويصة" –لفظة عويص تطلق الخبز الذي يخبز قبل أن تؤثر به الخميرة أو أن تكون الخميرة فاسدة فيكون أقرب إلى العجين منه إلى الخبز-، حسب ما فهمت أغلب الأشياء هناك تطير ولا تحسب للزمن حساباً، يعني مثلاً دعاء الأم! ربما نصف الطابق الثالث مكتب بريد، حسب المعتقدات يرانا سكان ذلك الطابق بعين العطف والرحمة، بعكس الطابق الأول ينظرون إلينا بعين الحسد والنقمة، بكل الأحول الشقة العليا خير وأحب من الشقة السفلى.
أي مؤتمر يقام في شطري الوطن أو الشطر الثالث يعتبر فرصة لا تعوض، ليس لأن التطور والانفتاح الذي بدأ يتسرب للوطن يتطلب مشاركة، إنما لأن "ماحدش طايلها"، الحالة التي تمر بها البلاد غير منطقية أو غير طبيعية، ما ينتج المتضادات  التعايش مع الأمر والتحايل على الواقع والرضى بالمقسوم أو الاتجاه للتصعيد كطريقة أخرى للتعايش مع التوتر الدائم في المنطقة أو عدم التعايش مطلقاً وشراء راحة البال بثلاثة أو خمسة آلاف دولار إن كنت "حدق".
أظلم منطقة في التاريخ والعقل البشري تلقي بظلالها في أماكن كثيرة، الرغبة العميقة بالممنوعات قد تتحول لفكرة التخلص منها بدل التعايش معها والخروج من المفروضات غير المنطقية، إلى أن تتجه لأفكار غريبة مثل التعليق تحت ألسنة اللعب بأسياخ تدق في المفاتن التي تشكل مركز الكون للخليفة البغدادي، القرون الوسطى لم تكن بالسوء الذي يمكن أن نتخيله حتى الأفعال الوحشية هي نتيجة العقود الطويلة من الفضيلة والإتيكيت، مشكلتنا تتلخص بأننا نعيش على قانون نيوتن الثاني فقط.
أي انسان يغادر المنطقة من المتوقع أن يمر بفترة تسبق الاستقرار، أما المنطقة بأكملها فهي تتنقل بثقلها كاملةً بين استقرارين أبعد ما يكونا عن الاستقرار. تلك البقعة المظلمة تحوي أيضاً قواميس تشمل كل أنواع السيطرة حتى التنويم المغناطيسي، حيث تمكّن الانسان المنفرد من صنع زنزانته بيديه.
هل يعلم أحد لماذا لا يسعى الرئيس نحو كسب تأييد المواطنين والتقرب إليهم ولا سيما الشباب؟ سفير بريطانيا في مصر بدأ قبل عام من استلامه لسفارة القاهرة بتعلم اللهجة المصرية، وحين استلم مهامه بدأ بالانتشار بين الشباب في تويتر، يشارك الجميع الأفراح والأحزان ويوفر فرص الحوار معه بشكل غزير، إن حاول أحد ان يستقرئ هذي الحالة من الواضح أنه وكما قال "أهم استثمار هو استثمار الشباب" وهذا أفضل ما يمكن أن يفعله بمصر بالذات، يعاني الشباب من تهميش وبطالة واستنزاف، الأمر الذي يسهل مهمة السفير "سفير النوايا الحسنة"، أحد الشبان الذي يتابعون صفحته يقول "أنا أول مرة أقول كل عام وانت بخير لسفير" ويرد عليه السفير بتغريدة خاصة ويهنئه! أما حين يركب الباص في الاسكندرية ب نص جنيه ويستقطب الردود المازحة والمشجعة والمتفاجئة، إنه بلا شك لاعب شطرنج ماهر.
في إحدى اللقاءات التلفزيونية، استطاع بمهارة المراوغة وفتح النار على الإعلام المصري بالذات حين نشر تصريح على لسان "ديفيد كاميرون" فقال السفير بلسان مصري عربي فصيح أنه عمل في مكتب "ديفيد كاميرون" وهو مطع على كل المقابلات والمراسلات والنشرات وصحح موجهة صفعة لنزاهة تلك الجهة الإعلامية، بعدها حاول المذيع المراوغة قائلاً بأن هناك مشكلة بين السفير وبعض الجهات الإعلامية، وتجاوزها السفير ببراعة، لم استغرب حتى اللحظة من مستوى ذكاء ودبلوماسية السفير وأداءه لمهامه بل أتوقع أن يكمل صعوده في السلم الديبلوماسي، الأهم والأقل أهمية أنني أعرف البريطانيين بذكائهم لكن ليس بوسامتهم.
برأيكم من أقوى الهواء أم النار، ربما يقول أحد أن النار ليست سوى هواء ساخن، أقصد الأسد والميزان، في إحدى اللقاءات جلس الرئيس بوتن قريباً من أوباما، حصل بينهما حوار صغير بالإيماءات، واضح أنهم يتحدثون عن سوريا يشير الرئيس بوتن بيده إلى ثم أسفل ثم أعلى، يقصد بأنها بعد تدميرها سيحصل نفس سيناريو العراق وأفغانستان، يضحك أوباما، ثم يسأل الرئيس بوتن، تظهر ملامح جهل مع ابتسامة ساذجة على وجه الرئيس بوتن، خلال ثوان يتغير لون بشرة أوباما من السمراء إلى الأسمر المزرق، بهذي اللحظات تبدوا عيون الرئيس بوتن شاخصة بالآخر بملامح تبدوا عليها البراءة والسذاجة.

المهم أن الكهرباء عادت، وأن العتمة شحنتنا ببعض الأفكار ربما، أحاول ان أنهي سريعاً قبل ظهور الطيار المرعب مرة أخرى.

الخميس، 7 مايو 2015

جيبات في غزة تغازل البحر دون رقيب



لدينا كل العناصر المطلوبة للنهضة، لا نملك دليل الاستعمال فقط! 
الحياة في الكورنيش (فرضاً) المشكلة خارجاً مع أنها لا تبدوا مشكلة حقاً.
أيامنا عبارة عن مزاجاتنا، المزاج مزج المشاعر وردات الفعل الآنيّة تجاه الأحداث والأشياء.
من ذا الذي يشكوا هنا! يمكن أن أعده نوعاً من الجحود تجاه البحر، البحر ليس نحن على الأقل لكي نرى فيه أنفسنا، إنه ملك من زمن غابر دائم الاحتفاء والاحتفال، احتفال لا تفرغ منه الكؤوس. 
النمل أسفل المقاعد وعلى الشاطئ، للقمر سلطة عظيمة لو تعلمون، لماذا نمشي؟ هل يحنُّ الإنسان القديم فينا؟ لماذا مثلاً تحترم كل الآراء وتضعها على ميزان محكم؟ لماذا للجميع الحق في التعبير والاختلاف والفيض ولو بالبيض الفاسد وأنت لا؟
حتى الجيبّات تغازل الموج، هل يمكن الاقتناع يوماً بأن هذا الشاطئ امتداد لشاطئ الإسكندرية؟! لا استطيع، هذا رائع جداً.
مؤخراً ظهرت كائنات غريبة، لو كنت مثلها لكرهتها حتى أبيها، لم أفعل. المشكلة أنني أرى فيها نرجسية ونزعة إلى إلغاء الآخر، حين ينتقدون يتوجون أنفسهم على عرش المثالية وينسفون كل شيء آخر. 
كتابتي مليئة بالعيوب، ربما أكتب مثل طفل بالحضانة، ربما أفكر مثل "مريض عقلي" يجوب الشوارع، ربما أبدوا مثل الزومبي دائماً، لكن ماذا عنهم؟ إنهم بلا دروعٍ حتى! أكاد أيقن أنهم يخافون من أخيلتهم على الأرض ويفزعون من النوم.
يمضي الآن طائران داكنان مشياً على حشائش الشاطئ جنوباً، ياااه ينبغي أن تهش عليهما نوّار حتى يطيرا "ونخلص :D ".
من قال أنها حقاً يجب أن تسهل الطرق بيننا وبين الضفة الثانية، يمكن إن أردنا تصفية النزاعات بين البلدين فقط.
يوجد لدينا سوء توزيع بالثروات، مثلاً رؤوس أموال عظيمة، تلف الأوراق الخضراء في رزم وتحشر في الجمجمة، بعد ذلك تقع المشكلة، الدماغ بالخارج.
على كل حال، الأمر مخيف لو نظرنا إلى كم النقاط والوصلات المفصولة عن مقابسها في غرفة التحكم، يجب أن توجد طريقة لحل المعضلة، والقيام بتسوية بأقرب فرصة، تضمن إعادة تشغيل محطة الطاقة وحركة المواصلات في الشركة الرئيسية.
أعلم جيداً، أن الطائرين الأخضرين المائلين للأسود، ليسا ضمن الأسطورة البحرية، لكن الحكومة الثانية في الوطن تتطلب ذلك، وقتها رغبت لو اقترب قليلاً منهما دون أن يطيرا، الطيور البرية دائماً حذرة مع وجود قطط قريبة من المكان الذي يحط فيه الصيادون غنائمهم.
كنت أناقش مع صديقتي فكرة قد تبدوا لأول وهلة جريئة، لكنها واقعية وعملية، الأمور بدأت تسوء وتخرج عن السيطرة، التطورات في السنوات الأخيرة أدت لتغير معايير التصنيف الاقتصادي والطبقي، حتى وسائل الكسب المشروعة والاستثمار أصبحت صعبة للغاية مع ظهور الأنفاق، السنوات القليلة التي تراكمت الأرباح فيها دون توفر أي وسيلة تساعد أو تؤهل صاحبها لاستغلالها جيداً فيصبح المستهلِك مُسْتَهْلَك ويجري مذعوراً في كل اتجاه لتلبية كل رغبة ملحة أو حاجة طارئة ذات ليل أو تصفح انترنت أو تلفاز، لماذا لا تؤخذ هذي الشريحة التائهة على محمل الجد وتعمل الحكومة على القيام بمسؤوليتها تجاهها والحد من أخطارهم بالاستفادة منهم وإفادتهم بعيداً عن الإضرار بالأماكن والممتلكات العامة؟! فالحال مؤخراً لم يعد يحتمل خصوصاً لو تعرض مكان يقال عنه متنفس للضرر من هذي الشريحة التي تحمل الداء والدواء للقطاع.

الخميس، 16 أبريل 2015

محاولة اغتيال



"اوبس ... لقد حطمت تمثالاً بينما أسير" 


هل حاول أحد من قبل أن يصلح أنف أبي الهول المكسور؟ قبل الحرب طيب هل حاول أحد أن يكسره؟ الذين صنعوه هل توقعوا أن يصمد إلى هذا الوقت؟ المساكين لم يعرفوا أنه سيبقى لكن سيذهب طيّ النسيات لاحقاً، بين الأهوال الشاخصة، حول الأهرامات في بقاع الأرض.

لا أظن أن أحداً يدرك حجم الجهد والوقت الذي يتطلب فناناً مثل دافنشي لصنع أجنحة ترتديها فتاة ما ربما، حتى الرافعات والتكاليف لتثبيتها على الأكتاف، كل ذلك انتظاراً لبلدوزر "محلي الصنع" ينافس الصناعة الأمريكية يسقطها سهواً أو عمداً أو حين قاد الآلة خبير القصف العشوائي في ليلة صيفية على الشريط الحدودي في غزة.

هل قتلت حسيناً آخر؟ لماذا تشهق واحدة، وتلطم أخرى، وتشق كراستها الثالثة؟ يا للهول! حتى صفية حاضرة وحنظلة وعائلته بالوطن والشتات، لطم من جديد! "ترد أيضاً؟ يا للهول ، يا للهول ، الجرأة في الرد للرجال.."، تؤكل ويأكل أكلك وتظهر الهوان حفاظاً على البرستيج؟

البحر صباحاً كان يحاول توجيه رسائل على وجه السرعة، خوفاً من وشاية الأسماك للصيادين، هائجاً مائجاً رائجاً كان، بكل الأحوال لم يكن الزلزال ليرقى إلى مستوى رختر للأسف، البحر يبالغ أحياناً، الباص ظالم جعلني أقف ساعة كاملة، ولم أجد في البحر شيء يسترعي الاهتمام، اهدر يا موج او لا تهدر، تستطيع الرياح الباردة أن تجمدك، كما جمدت أشخاص أعرفهم.

شوكلاته؟ فلافل؟ أي شيء؟ لا بأس، لم يشاهد البحر دموع السعادة ليلاً أو صباحاً، هل ارتدى طالب قبلاً ملابس الدوام قبيل النوم؟ أو هل ذهب للجامعة قبل الدوام بساعة؟ هل جرب البحر شعور الدراسة راغباً؟ البحر فقير، ألا تكفي ملوحته!

واضح أن كل شيء يدعم نظريتي القديمة، مقدار ارتفاع الموج يتناسب عكسياً مع صفاء اليوم، أيضاً مقدار ارتفاع الموج يتناسب طردياً مع الأحداث والمفاجأت خلال اليوم، في هذي لا يمكن أبداً أن نتجنى عليه ظلماً ونقول غدار. 

لماذا يخاف الناس في يومنا هذا من الأصنام كثيراً؟ إنهم ينكرون الديانة الوثنية بشدة تنم عن خوف، خوف غير مبرر، لدى بعض الأمم قد يعتبر تراث ثقافي وإرث حضاري يباهون به بين الأمم، لكن اليوم نحطمها وننكرها ونغمض عيوننا ونحن نهوي بالفأس على رأس أحدهم، مت! مت! ثم يتسلل عنكبوت حجري يعشش في دواخلنا، نراه في الكوابيس فقط، هذا ما استفدنا منه من فتاوى السعودية في هذا الشأن، طيب لماذا يتباكى المرء بينما يعبر مدائن صالح؟ طيب عاقل يحكي ومجنون يسمع، أقنعني يا اخي وفقك الله ورزقك الجنان والحور والغلمان المخلدون والعسل المصفى.

الله أرحم بنا من هؤلاء، سألت طالبة "لو كان التطور العلمي موجود فترة بداية الإسلام، هل كان ليرضى بالاستنساخ؟" هل كان ليرضى؟ لا أحد يعلم إلا الله.

القطط في الشوارع ملّت الحياة، تمر غير عابئة بالسيارة المسرعة، انتحار يمكن. هل تسائل أحد لو كانت الحيوانات تنطق ماذا تقول عنّا؟ كيف يمكن بالمنطق تفسير سلوك عنيف مفاجئ من طفل مار، او شاب يركلها بعلبة كولا صدئة؟ لماذا نحترم أبناء جنسنا فقط نحن البشر؟ هل نحترم أبناء جنسنا فعلاً؟ 

الطريق طويل طويل، وهم يتنكرون على شكل أشجار، أجزم أنهم ليلاً يخلعون عنهم العباءات الخضراء، ويثرثرون عنّا، البشر الغريبون، بعضها تقترب من البحر بينهم أسرار ربما "مثل الصور أعلاه"، ربما طلع عليها النهار أثناء محادثة مع الأمواج، وكمن أمسكت متلبسة بالجرم المشهود تسمّرت مكانهاً لاكتساب لون برونزي ولحين ولوج الليل لتعود إلى مواقعها بسلام.

لا أحد يرغب الكلام، ولا حتى أنت، الضجيج صنيعة المحرك المستفز المبتز، والهواء لا ياتي بجديد، لا شيء يستحق الإلتفات، تكرار الأمور مثير للضجر، والأخبار التي يرسلها البحر قاتمة أو مكررة، غيمة تجاكر غيمة، وأمواج لا تيأس من محاولات السيطرة على الأرض، وحجر مكعب يريد العودة لمكانه، أو طائر مستخف بالأمور إلى حد أن يلقي بمخلفاته على "طربوش" النخلة التي استقبلته يوماً على أحد القطوف.

استغرب عدم وجود موجات مشابهة للبحر، لهذا الحد مات الغضب والحرص والغيرة على العالم؟ البحر لديه إحساس أكثر منك، هذا بديهي. ليقولوا ما يقولوا من هو أوباما ليحكم على بوتن؟


ماذا سيخسر كل منا لو أخرج إبراهيم فيه، ومعه الفأس!



الثلاثاء، 14 أبريل 2015

عن الذي رأى كل شيء



"كان اليوم يوم الأحد
لأول مرَّة أخرجت إلى باحة السجن !
تعجبت لأن السماء زرقاء إلى هذا الحد
ولأنها بعيدة عنِّي إلى هذا الحدِّ، أيضاً !
اتكأت على الجدار تحت الشمس
الآن لا أريد امرأة
ولا حرية
أنا والشمس والجدار ،
وإني لسعيد"
ناظم حكمت


من أوروبا الشرقية وصولاً للشرق الأوسط وصولاً إلى المدارس أو المسالخ، هو الذي طاف عليها كلها ليلاً وعاش معنا نهاراً، الذي أبقى على "دانا" خارج السجن.
لماذا تمشي الحياة بشكل طبيعي جداً؟ يا ناس ! يا ناس ! هو الذي رأى كل شيء! لقد رأى الشبْح والتعذيب، رأى أنبل الناس يصابون بالصرع، وتتساقط أجمل أيامهم في المرحاض، وتتبخر ذاكرته أثناء الصعق بالكهرباء، بعدها تتسلط عليه اللصوص الصغيرة.
لماذا من الأساس تُمنح الوعي الذاتي وأنت دون إرادتك أو بها كاملة قد تذوب على سيخ شواء ساخن، في الرملة أو بئر السبع أو ريمون، هل أنت مسؤول عن معركة ذاتية، لذاتٍ أكبر منك أو عصابة مثلاً؟
المجد عن قرب له لون القروح، الجروح العميقة، والقيح، مع رائحة المياه المتعفنة.

لقد أراد أن ينتقم من الفتاة التي لم تعطه وجهاً في الحانة، تلك الـمجنونة لم تصدقني، بعد كل ما كان وكان، من حقها أن تخاف بالقدر الذي تشاء، ولن أجرؤ على إيذاءها، أخيفها إلى ما لانهاية فقط وأتظاهر باني أذيتها، من أجلي.

أؤمن أن الأثقال تحمل بعداً معنوياً أيضاً، سأشعر بالفخر يوماً "ربما" من الحقيبة، وربما لن أقوى على حملها أكثر، أتخيل لو أخرج أمام جمهورٍ عريض مستعرضةً محتوياتها، يااااه جميل!

الجو يزداد حرارة وأنا أنتظر الباص، إلى متى لا أحترم إرادتي، لا أريد أن أعود الآن، أو لا أريد، ليس بالباص بالطائرة مثلاً، طائرة سريعة جداً، أو مركب يتهادى "على مهله"، المحفظة "بنت الشيكل" تريد الباص.
في هذا الزمن يسير الرجل وسيده أو سيدته في جيبه، لن تشعر بالعبودية إن كان لديك تلك البطاقة الصغيرة، تسحب منها ما تشاء، كيفما تشاء، أينما تشاء، قدرما تشاء من الماكنات المنتشرة في أماكن، هذا النوع.
لا معنى لكل هذا، صدقاً...


- "لماذا يجب أن نكون غامضين إلى هذا الحد؟"
- ألا يوجد جواب في الكتب يا نيتشه؟"
- "لا"
- "إذن أبحث في الحياة!"
- "كيف؟"
- "الإنسان هو القضية كما قال كنفاني والإنسان ليس في الكتب !"
- "أين؟"
- "في البارات والمناجم والشوارع. أبحث عنه هناك".
- "هل تدري؟"
- "ماذا؟"
- "عندما ودعت أبي قال لي كلمات لا أنساها إلى الأبد. قال لي: اسمع ! العالم واسع ! إذا ذهبت للبارات تجدها مليئة، وللكنائس والجوامع تجدها مليئة، والمدارس والمكاتب وأماكن الدعارة تجدها مليئة ... كل مكان مليء بالناس. الناس طرق فاختر طريقك الخاص".
- "هل وجدته؟"
- "لا أدري"
- "لماذا؟"
- لأنني أبصر أعمق مما يجب كما قال باربوس!". "أبي قال لي كلمة واحدة: ستندم. لا أريد أن أراه إذا ندمت، فمن الصعب معانقة الشيخ هذا وأنت فاشل! يلعن العالم! لماذا نفكر نحن فقط، في هذه الأمور؟ هل نحن معقدون ومختلفون عن بقية خلق الله؟"
- "ماذا سيحدث لو فشلت أنت وأنا؟"
- "ننتحر على ما أعتقد!"
- "سخافة! نبحث عن بداية أخرى".
- "هذا سخف! قل لي يا نيتشه أين سنذهب إذا لم تقبلنا السويد وانتهت التأشيرة ليوغوسلافيا؟"
- "كما تهوي بنا يا رجل!"



بالأمس تعلمت كثيراً، نوع المادة المقدمة يتحكم في مدى تركيزك ودرجة تيقظ الحواس، سبع وعشرة، عشر وسبعة، العشرة عبارة عن سبع وثلاث تتخيل؟! الأمر جنوني وكأن سيبيريا تقف على معادلة من هذين الرقمين، ونحن؟! نحتاج ثلاثة فقط، الأربعة أخت الثلاثة، ولدينا اثنتين، مريح الأمر نسبياً، مريح إلى حدٍ كبير.

"-افتح عينيك! 
- اغسل وجهك..
- شايف؟ 
- آه؟! 
- لأ انت مش شايف! ياخي خذ الأمور على محمل الجد مرة بس..
- يا أخي اتطلع كويس !
- ولك اتطلع، بضحكوا علينا
- مسألتنا مسألة وقت مش أكثر
- إحنا هننتهي قريب، قريب، أقرب مما تتخيل
- الناس وصلت القمر، واحنا لسا بنقاتل على قطعة قماش
- أخرس؟!!
- ماشي، سلام."



"لا نبصر، نحن العرب، إلّا الجانب المضحك من تاريخنا؟"

"لأن الشرط الأول للتقدم هو التقزز من أنفسناحتى نهرب منها! مسألة بسيطة! العالم الثالث يعبد أوروبا وأوروبا تعبد أمريكا وأمريكا لا تعبد شيئاً ما عدا حرباً عالمية ثالثة. فلنحوِّل عقدة النقص إى تقزّز والتقزّز إلى ثورة والثورة إلى احترام ذات".


"آه بالمناسبة، اللي شافوا ياما ..."



"النصوص بالأسود العريض مقتببسة من كتاب (الضفة الثالثة لنهر الأردن)."

الثلاثاء، 31 مارس 2015

غرفة المعرفة



العالم الإلكتروني غريب، يتيح لك أن تتحدث لكن يحرمك من الخصوصية. أحتاج أن أتكلم ولا يراني أحد، مثل بابلو الأسيوي الذي ينشر الإنجيل بكل اللغات حول العالم عبر نفس الشبكة ولا يراه أحد، بابلو راضٍ عن نفسه، بشوش طيب الخلق ولا أحد يعيره أي انتباه حين يترجم وينشر مقاطع من الكتاب المقدس. مررت عليه منذ عامين وكان على نفس الحال، لست على حالي أبداً، بابلو ليس في غزة ويستطيع أن يسافر لأي مكان، رغم هذا يحبس نفسه بالكنيسة، ربما كان يحب أن نتبادل الأدوار، سيعتبر الحرب تكفيراً عن ذنوب البشرية وسيكون أسعد الناس.
ما أعظم الكتابة على الحاسوب، لا يرى أحد خط يديك، لا أحد يراك بوضوح. طيب لا أحب التوبيخ، أشياء كثيرة أهون والله، أعترف بتقصيري، أمر غرفة المعرفة الخاصة بالطلاب غاب عن ذهني تماماً. لا أفهم شيء ولا أستطيع، ويبدوا أنها حالة عامة، في كل الأحوال يجب أن أبذل مزيداً من الجهد، الكتابة هي الخيار الوحيد المتاح الآن.
حين أموت أريد أن تحرق جثتي مع كل أغراضي، لا أريد لأحد أن يستخدمها، قد أجيز استخدام أعضائي، لكن أغراضي أبداً. لا يوجد شيء يمكن أن يفسر علاقتي بشيء استخدمته أو ورقة كتبتها، كأنها نسخة منك متروكة للهواء، لأي أحد، لمن يريد أن ينظر فيك، الأمر مريع.
لا بد من وجود حكمة وشيء جديد كقصد من أي فعل، بكل الأحوال بعض الأمور تحتاج تدخلات خارجية أحياناً، والخبرة تقاس بالسنوات وهي ثقيلة جداً على الميزان.
الأفاعي في الورق! لا هي في رأسك، كنت أتغلب عليها بصعوبة، وكان شيء جميل، لماذا حين تقرأ رواية مثلاً تعيد على الرحب والسعة نفس الفقرة مرتين وعشرة و ألف مرة حتى تفهم وتتغلب على الأفاعي؟!  لا أحد يفهمك، طيب حين يضعونك في مكبس داخل المكبس، عقلك سيكون أقوى عضلة في جسمك.
اليوم في أحلامي، ابتكرت جهازاً للتنفس تحت الماء، كنت غريقة ماء في كل مكان، ربما هذا يرمز للغرق في الحياة والمهام الفضائية، أو لأصل الإنسان، يقال أن كل الكائنات خرجت من الماء، لذلك كان من البديهي أن أتغلب على الغرق وأصنع جهازاً يجعلني اتنفس بسهولة بالأسفل. احتجت دافع للذرات في أنابيب صغيرة، ثم ضخ الماء عبر وعاء باستخدام محرك، نسيت كيف يعمل الآن! الآخر كان شيء يتعلق بالكهرباء وذهب مع طريقة عمل السابق.
غالباً تساورني الثقة حين أفكر بمعدل الذكاء، يمكن أن تكون صدمة حين يقول لك شخص يحمل شهادة عليا مثلاً أنك غبي ولا تصلح للدراسة، طيب لم يستنطقك بعد، برأيه أنت لا تجيد القراءة ويجب أن تبدأ بـ"ذاكرة الجسد" وتحاول أن تكون "أي حاجة"، ألهذا الحد؟ طيب في حال كانت ثقتك بنفسك في محلها، هل هذا يعني أنه عكس ما يظهر –الذي يدعي أنك غبي- ؟ معقول! لا أبداً، لا يعقل. آخ منكم، حقاً أماكن البناء تهدم أجمل ما فينا بالذات لو نظرنا إليها من جهة الجنوب.
لا يمكن أبداً أن تكون الطيور، القطط، الأشجار، والأزهار كاذبة، كلها طيبة، كائنات تحب المساعدة، لكن لا تستطيع، البستاني لا يسأل الشجرة أي شكل أو اسم تريد أن تحمل، طيب قبل استلام المكان هل كانت الشجرة تحمل اسم "يهوه"؟ هذا العالم غير إنساني بالمرة، الناس في الجوار لا تفهم أبسط المتطلبات، كارثة أو جحيم، أن ترى زومبي تمشي على الأرض، أجساد كثيرة مفرغة من مضمونها، الرؤوس فارغة، محشوة أشياء كثيرة صماء.
كيف ندرك أننا نسير إلى الهاوية؟ كيف يمكن بسهولة أن تنقبل الإقصاء والعنصرية والإساءة وسوء الظن والطعن وقذف الناس؟ كيف يمكن أن نردد ما نسمع ونصبح آلات مسجلة؟ كيف يمكن أن تصبح الدرجات التي لا تعني شيء أكبر همنا؟ كيف تكون مواعيدنا الضائعة في اللاشيء أولوية؟ لماذا ما زالت الحواجز في غزة؟ أذونات، أوراق، كتب، إذن، لأجل نصف ساعة من كلام لن يقدمنا ملم واحد؟ الأفكار المبدعة أحياناً تشبه الطبخات، لا أحد يحب أن يأكل طبخة "بايتة"، سيجعلونك تبيتها رغماً عن أنفسك.
لا يوجد أكثر من أحلامك، كل الأمنيات تتحقق، مرة رأيت وفد أجنبي يزور المكان، ويطلب أمنية من كل شخص، طلبت جنسية جديدة ومواطنة في مكان أخضر معتدل مائل للبرودة.
تكاد تبكي دماً حين تقوم بالعملية الحسابية إياها، حساب المنفعة أو الأولوية، هل أحفظ التحليل النقدي لهذي القصة أو ... ؟؟؟ في الثانوية العامة قضيت مدة طويلة حفظت أغلب النصوص من "الملك لير" وقصيدة IF والكثير الكثير، لكن الآن لا أكاد أتذكر منها شيء، تباهيت فيه فترة قصيرة وانتهت. أين المنطق في هذا كله؟
في السيارة طول الطريق، طلاب بالخلف مشغولون بقضية، صعب التقييم تشعر بالتقزز أو بالدوار، أو بالغضب، في هذي اللحظات تشتغل لطمية في رأسي تلقائياً، يناقشون حقيقة تلبس الجن بالإنس، وكيف هي أذرع هذي الكائنات، عيونهم آذانهم ... إلخ ، يوجد ما هو أفظع طالبة في الباص قبل أيام كانت تراجع مساق حاضر ما معاصر، أول مستشرق عربي، الكافر الزنديق، الشيعي المهرطق، المرتد.
في الطبيعة يوجد سلم للكائنات الحية، تعتمد على بعضها، هناك من يأكل الآخر، وهناك من يعيش حياة تكافلية، لماذا ننظف الحقل ونقتل الحشرات والطيور والزواحف؟ بالمقابل لو استخدمنا المبيد سنعدم الحقل تدريجياً، نحن نسير عمياً، صماً.


الثلاثاء، 17 مارس 2015

مارشمالو


الشعر هو الكلام المسحور، لكن ماذا لو كان هذا السحر لعنة؟ حينها لا يبقى الشعر شعراً، الشعر هو المشاعر المكتومة في قلوب الكائنات منظومة على سلم موسيقي، وإن كان السلم معطوباً تفقد تلك المشاعر صلاحيتها.
ماذا لو كنت أحب الجوقة الشعرية الثانية؟ لماذا أصلاً لا أحبها؟ لأني أكره الآلة التي تغني في القاعة. نعم أكرهها من أعماق قلبي لذلك لا أفهم ولا كلمة واحدة، ولا أشعر بشيء إلا الفراغ.

ماذا تعني الأشجار والنبلاء والموت والدموع، هذا كله بلا معنى. لماذا لا أقوم بفعل كل ما أرغب به؟ التوقيت والمكان خاطئين، في قلب الصباح الباكر، من النافذة أسمع العصافير وأفرع الأشجار تحاول التسلل للداخل لتسري عنِّي، ولا تستطيع، معذورة. سور معدني ثم زجاج إنهم لا يريدون للأشجار أن تجالسني. لا أستطيع ان أذهب لأجالسها  أيضاً، أليس ظلماً ان أقضي الصبح بهكذا فعل؟
العصافير قريبة تغرد بشكل متلاحق كي لا أسأم أكثر، ممتنة لها بكل الأحوال.
العالم كبير فعلاً، أكبر من قاعة مظلمة محاطة بالشبابيك المغلقة، بالخارج هواء عليل وأشجار على مد البصر، لا يمكن أن يفصلني عن السعادة جدار.  
استوقفني سؤال بالأمس، أنتِ مرهفة جداً أمام الأناشيد الصوفية! وهذي من صفات الإنسان؟ يااه أنا بشر ؟! معقول؟ 
حين انفصل عن المكان بشكل كامل أكون قد وصلت لمبتغاي لكن الأمر في غاية الصعوبة.
ليس منطقاً أن يكون الإنسان مشوّه داخلياً، لماذا أرغم على ارتكاب جرائم في ذهني؟ لماذا يجعلون من الشخص مجرم في نظر نفسه ويصفي حساباته داخلياً؟
أماكن قد نظن أنها تعد المستقبل في جنباتها ليست إلا مكان تقام فيه المجازر كل دقيقة، مجازر بحق العقول والارواح، مصنع مسوخ ربما، تعبير جيد.
هذا العالم غريب، يريد أن يأخذك منك إلى المجهول أو إلى القاع، قاع بلا قاع، عتمة بلا ضوء، ثقب أسود يصلنا بعالم الزومبي.
صمتت العصافير وأنا قلقة عليها، هل أظلم نفسي وأنا أوغل في هذي السلبية بعيداً عن الرغبة في أي شيء ؟
لاحقاً قد تنتقم منك نفسك على هذا..
ما فائدة المنطق حين لا يتحدث؟ أو لماذا يصمت أصحاب  الحق غالباً؟ 
لا أحد يحاسب على جرائمه هنا، بالأسفل قريباً بعد ساعة او اثنتين، تقام مجزرة  حين يقال للسواد : أمامكنّ راكب الجواد، كلكن، أغلبكن حبات مارشمالو في ليلة تخييم، المارشمالوالملونة ستذوب نهائياً، والبيضاء اخف نوعا ما الأطفال يطلبونها بشكل أقل، كلكن حلوى لذيذة، احذروا.

الجمعة، 20 فبراير 2015

الشبح الضعيف

-         



      كيف حالك؟ ما هو الكمال؟
-         الكمال أن أبقى سعيدة قدر الإمكان!
-         الشبح يتسلل من الثغرات صحيح؟
-         واضح ان لغتك تغلب عليها لغة الفرنسي المجنون، سيصيبني بالجنون قريباً، لدي هوس بالرموز والهلوسات المبعثرة التي يكتبها.
-         صحيح، الأمر ممتع، ومزعج. أنت أيضاً تزعجيني أحياناً، أنت الكائن وأنا المتكون. الماضي وأنا الحاضر.
-         نفس العشوائية، والصفيحة الساخنة التي تقفين عليها!
-         أنا أبرد منكِ، أنا أخفى منكِ، أنا أبعد منكِ، أنا أقسى منك، أنا أبشع منكِ !
-         كيف يمكن للأماكن أن تتبدل؟ والأوقات أن تتغير؟
-         تعلمين أن الفرص لا تتكرر
-         بلى، وتعلمين أنني لا أفقد الأمل
-         يكفينا اهذاراً للوقت، ماذا لديك اليوم؟ أنا أريد أن استمتع = )
-         يوماً ما، ربما أقلب الأوراق في مكان جميل، وريف، وأشتعل على الأشياء التي تنسل من بين يديّ، ربما سأكون كأصحاب الكهف، ستخبر الرياح قصتي بعد ألف عام.
-         ستشاركين الرياح كل التفاصيل والذكريات، وتعتقدين أن هذا كافِ تماماً، ستنامين إلى الأبد باردة كالثلج، إلا شعلة صغيرة ستبقى خالدة.
-         باردة؟ هل يشعر الموتى؟
-         نعم، إنهم يشتاقون للحياة، الأمل هو السبب، لن أهجوه، لكن تعرفين حقاً أنك يجب أن تجربي عالمي مرة، المشقات الشديدة لا تعبريها وحدك أو حتى أنا آخذك منها مثلاً، وتعلمين أني أسامحك كثيراً، كثيراً جداً.
-         لا بد أن تفعلي هذا، تذكرين السنين العجاف؟ كنا سعيدات جداً لكن يبدوا أن كل العسل نفذ وقتها، وخرجنا ندور في الدائرة سوياً.
-         خرجت لأجلك، كل كآبة العالم كان يمكن أن تغذينا للأبد، المعضلة أننا لا يمكن أن نسير دون البصيرة للأبد.
-         قال الله للمسلمين، أنهم أهل النور ويلقونه في المرحلة الثانية، الأمر غير مقنع أو مستقر إلى حد ما.
-         إلى أي مدى تكرهين الجامعة؟
-         ما علاقة السؤال ما قبله؟ تعلمين لم اتمكن من حبها أبداً، ومن الصعب أن أشرح ما أفكر فيه، ترين الدموع ها؟
-         الأمر منوط بما أردتِ وتريدين فعله، الجامعة بلا كهرباء، المولد الكبير يولد الإزعاج فقط. ربما ثقب أسود؟
-         عملاق! الانسان هش، والروح كذلك، وهي تسحق كل شيء بعنف، كأنها حرب، حرب علينا نحن، حرب في طابور المالية، حرب في أول يوم دوام، حرب في المحاضرات الرتيبة، حرب في سجل الدرجات، حرب في موقف السيارات، حرب في الأقسام، حرب مع العمداء والموظفين، حرب مع الطالبات، سلام وحيد في الساحات النائية.
-         مدهش، مع أنك لم تغوصي في أي من هذي الأشياء، ربما كنتِ خائفة فقط؟ جربتِ استحضار البطل الخفي إلى الميدان؟
-         هممم لم أفعل، هناك فرق شاسع بين الواقع والعقل، مع أن العقل قاتل والعقل صانع الواقع، ومؤمنة جداً بفعاليته، خصوصاً يوم حين تشبعنا أحياء هه!
-         نعم، كادت تلك المجنونة أن تفتك بنا، تعلمين أن الأمر غاية في التعقيد، وهناك شعرة رقيقة بيننا وبين السقوط إلى الهاوية، ربما ينتهي بنا الأمر في مصحة عقلية هاهاها
-         الأمر سخيف توقفي عن هذا. الذي قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، كان يشعر بخوف شديد، كان على الحافة أيضاً. هل يمكن أن نكون من الضالين؟
-         ربما، من يعرف؟ أحب أن نكون محظوظتان، لكن من البداية وجد العقل ليمشي على حبال السيرك.
-         نعم وكلما مشى أكثر بقي احتمال سقوطه أكثر، وإن نجح سيبقى في السيرك!!
-         عظيم، هل الجامعة تشبه السيرك؟
-         ألن تتوقفي؟؟
-         لن أفعل، على كل حال، لديك تصريح بفعل كل ما يحلو لكِ، الأمر لك، سأتفرج وأتدخل عند الحاجة.
-         راضية عنك كل الرضى، لدي شيء أخير لماذا يقحم الشبح نفسه في اللحظات، ويضرب بمعوله الرغبات والكلام وكل شيء؟
-         لأنك لست حذرة كفاية.
-         هل يمكن أن أكون سعيدة؟
-         بالطبع.
-         هل أركب الريشة؟

-         جربي = )