الاثنين، 28 سبتمبر 2015

العروس


قبل فترة وجيزة كنت مضطرة لمجاملة فتاة تزوجت حديثاً، تطلب الأمر زيارة خاصة بما أنني لا اطيق حضور حفلات الزواج، الفتاة ليست معروفة في المحيط بالقدر الكافي، لا أقصد التقليل من قدرها ولكن خلق الله الناس قدرات، هي خلقت بمعدل دراسي لا يصل ل 75% وقدرات محدودة على نطاق السمع والنطق أحياناً ولكن لمن يركز فقط. لو لم تكن عزيزة على قلبي لما زرتها، الزيارة التي الرسمية الأولى بيننا، هي دائماً تخشى الخوض في الحوارات ولا تجد ما تقول، تتعلل دائماً بأن ليس لها في السياسة والهراء، لكن تستطيع التعقيب في أمور مثل السافرات في غزة، وكيف يمكن أن تخرج فتاة متبرجة، أو كيف ممكن لفتاة أن تلبس جينز وتخرج في الشارع، هي ورفقتها مصرات أن الله لا يقبل صلاة أي متبرجة أو سافرة أو حلوى مكشوفة، في الأمسيات الحميمة كنا نجلس ونسمع قصص عجيبة، مثلاً تلبس الجن بإنسان وزواجه منه، وذكرياتنا مع الاجتياحات، آخر صرعات الموضة، الأغاني الجديدة في السوق، وطبعاً أكثر المواضيع إثارة قصص الرعب من خطف وقتل وزواج قسري وأشياء مشابهة ولا ننسى بكل تأكيد عذاب القبر والقصص المنقولة بالتواتر عن فتيات لا نعرفهن مثلاً أفاعي تأكل الجثث، وكيف يتحول القبر جنة وهناك شهور، يأكدن حقاً هناك شهود "على ذمة المصدر المجهول". 

أجزم أنها لم تتسائل عن ماهية وجودها وماذا الآن بعد الثانوية والجامعة، هناك حيث لاينفرد الإنسان بنفسه، يبدوا الكلام مبتذل قليلاً لكن حقيقي جداً. يوجد عادات معينة متبعة خلف الأبواب المغلقة خاصة بالنساء فقط، العروس في شهرها الأول تبقى متبرجة أغلب الوقت، ويتم التعامل معها وكأنها ولية عهد مملكة ما لفترة معينة، تمتلك امتياز على قريناتها والنساء الأخريات، كانت ترتدي فستان غريب غير مناسب لجلسة عادية، كان معي أطفال شعروا بالحرج قليلاً، أبقوا أنظارهم على الأرض لكن تقدمت وانخفضت لتداعبهم وتطمئن على أحوالهم، ما زادهم خجلاً وإعراضاً، اعتدلت في جلستها وعادت للخلف، لا لم تعتدل تماماً، لم أكن مرتاحة ومعنا كثيرات، يغازلنها وكأنه تحرش عام، وهي تتلقى المجاملات الحساسة بسعادة بالغة بادية عبر ما يسمى بلغة الجسد، عملت كل جهدي لأجد موضوعاً نتحدث فيه، كأن كل العالم لحظتها تلخص بجمال العروس والزهور التي تتفتح في وجهها، كذلك حال الأخيرات من لم يحضرن للعرس بسبب الغيرة غالباً أو خلافات سابقة، والحديث عن اللواتي حضرن ورقصن وقمن بالواجب وزيادة، ثم أخيراً جولة حول حال المتزوجات في المنطقة ومن وضعن حملهن واللواتي ما زلن يحملن، ثم لا نعرف كيف أتى ذكر المطلقة حديثة، يشارك الجميع تعليقات يملؤها الأسف والشفقة، نشرب العصير ثم الشاي وتنتهي الزيارة، أحضان وقبلات باردة والسلام.
لدى المعتادين على حفلات الزواج والزيارات أمر طبيعي، أنا لم أنسجم هذي المرة ولا أظنها ستتكرر. طالما حيرتني النظرة أو الفكرة التي يرونني بها، أتذكر حين سألت أمي أم تلك الفتاة عن جارة ابنتها، فصدمتني الإجابة "لا تتحدث كثيراً، غلبانة، في حالها، زي بنتك !" أول رد جاء مني "أحا !!! هذي السيدة لا تعرف كيف تفك الخط ولا تعرفني كيف تقول عني هذا؟!!!" 
المهم أمر هؤلاء القوم محير جداً، بصراحة يعجبني إيمانهم المطلق بما يفعلون ويصدقون ويقولون، موضوع الحلال والحرام لديهم مرتبط بالغريزة ولو يعلم أحد تلك البقعة السوداء في تاريخ الإنسان يعرف ماذا أقصد، حتى الأشياء التي تحدث بشكل عفوي وطبيعي مرتبطة بالغريزة بشكل مباشر، كل شيء يحصل بالبركة وكما كان ويكون وسيكون، يعني مثلاً ما غرض الأنثى إذ ترقص بالشكل المثير وسط الإناث، وما علاقته بالحروب الباردة بين العائلات، أعرف أن الأفق هنا محدود ومعلومة حدوده لكن لا أستطيع لمسها إطلاقاً، ولا أستطيع حتى اللحظة حضور حفل زفاق واحد.

حفلات الزفاف فضائية بالكامل، تشعرني بالدوار وأرى مشهد ساخن لنار مشتعلة وسط القرية يدور حولها هنود حمر يلبسون تنانير قصيرة من ورق الشجر ويصرخون بكلمات غير مفهومة، كل شيء يسري بسرعة والكيمياء تتحكم بالقرارات، الكل مستعد للتجهيزات ولو اضطر للدين، تدريبات مكثفة من رقص وأغاني وحركات، ناهيك عن الاستعداد النفسي، عشرات المواقع الإلكترونية، والخلطات والعلاجات والملابس، أخجل من تشبيه الموضوع بتجارة ما، لكن صدقاً الأمر اقتصادي بحت، هناك عبء اقتصادي ينتقل من موقع لآخر، المشكلة أن العبء يزيد لاحقاً وأن الحل فعلا مؤقت، اتساءل عن مفهوم التطور والحضارة ومفوم الإنسان البدائي أو الإنسان الأول وكم يشكل منا بالمئة، وإن كان الإنسان فعلاً جهاز استقبال وإرسال، إن أزحت الستار عن المادة تجاوبت المادة، وإن كتمتها قليلاً تفعل الجانب الأثيري، في النهاية ما زلت أتسائل عن أصل نشوء الرقص.