الخميس، 24 يناير 2019

كنافة



أفكر بمقولة براءة حول الرغبة والأعمال، أننا سنصل لمرحلة نفعل ما نفعله لا لأننا نريد بل لأن هذا ما يجب أن يحدث، وأفكر بنفسي، هل أقوم بتركيب تقوييم للأسنان، وإجراء عملية ليزر لتصحيح نظري، أليس كل هذا لتحسين قدرتنا على العيش أكثر، والحصول على المزيد من الحياة؟ أنا فعلًا لست زاهدة، لكن ليس لديّ شيء هنا. لا لست يائسة، بل ربما أكثركم إقبالًا على الأشياء، وأكثركم حماسًا للحياة، لكنني متعقلة قليلًا، ليس لديّ ما ألهث من أجله، إلا ربما أحيانًا كي أثبت أنني لست ضعيفة أو جبانة أو أقل شغفًا ربما. 
دائمًا أؤمن أن الجموع تحرم الأفراد من بعض الخبرات المهمة، وربما أكون مخطئة، كل التجارب المفردة أعطتني ما يكفي  من الأجوبة، ورمتني بآلاف الأسئلة، لكن بالطبع حين أكون مع المجموعة، هناك شيء ما لا يدرك، هو ربما الخيط الذي يربط الجميع إلى بعضهم، قديمًا كنت أخاطب النجوم، وأبحث عن نجمتي الحقيقية، كل يوم كنت أجد واحدة مختلفة، أردت أن أعرفها بحدسي، لأنه الطريق الأصوب، وكما ذكرت في تدوينات سابقة، يبدو أنني أخذت حفنة من كل نجمة. عندما أتحدث بهذي اللغة لشخص عادي قد يسخر مني، ويجعلني غريبة، هذا يذكرني برغبتي المحمومة بتجنب التبرير والشروحات لمن لا يهمه الأمر. في رحلة الإنسان في التعرف على ذاته، قد يعرّج على الجزء المادي منه، وهنا لا داعي لأن أؤكد على انتمائنا للكون الأبعد جزيئيًا، لأن هذا سيسلب من النص بعضًا من سحره، يا عاديين يا جهلة يا مزعجين.
يا إلهي كم نهتم بالمظاهر نحن، ما زلت متمسكة برأيي، لا داعي لأن أرسخ فكرة النمطية والتنمط، لن ألبس بدلة لكي أجعلهم يحترمونني، أنا ما أنا لأنني إنسان ولأن لي تجربتي، لا داعي أن أرفع شهادتي مثلًا أينما سرت، ما أحظى به من إنسانية يعتبر حق، لا يمنح بناءً على امتيازات معينة، يا الله كم مزعج تكرار هذي الأمور كل يوم، ربما أكررها حتى لا أنسلخ عنها أو تسقط مني.
يخبرني صديق أنني إن أغلقت الفراغ بين الثنايا ستزيد ثقتي بنفسي، وبالتالي المزيد من الاختراق الأفضل نوعًا في المجتمع، مع أنني لم أحصل يومًا على السيء منه. أشعر ببعض التناقض هنا، هل هذا فعلا ما ينقص؟ مع أنني أعرف جيدًا عكس صحة الأمر، خلقت قوقعة محكمة حول صدقية الأمور والاعتقادات، وأصبح كل شيء ساخر، حتى كل ما أصرح به يتبع المدرسة التهكمية، ثم أنا مع هذا الإرهاق الذهني قد أضيع في هذه السخرية، المدهش في مرة هو حتمية الأمور والمآلات، يا الله كم لبثنا.
أفتقد سطح بيتنا، كان لي عالم فسيح هناك، أفكر أحيانًا بحمل كيس النوم خاصتي والذهاب للصحراء، من المخجل أن أخشى الحشرات والعنكبيات الخطيرة ليلًا والزواحف، فهي تعرف غالبًا أنني أثق بهأ اكثر، لا أعرف لماذا، طيب ماذا سيظن بي رجال الأمن وأنا أتجول وحدي بالصحراء؟ ليلًا أيضًا، ولا أعرف ما يوجد هناك، وما  سيوجد؟ مزعج وبائس ومحزن، وحين أتحدث عن الأمر يبقى في مجال السخرية، وهذا للغاية مزعج بالمناسبة.
كما أفتقد خبزنا، والطعام الدافئ، والسجاد الكثير المترامي فلا أشعر بالبرد إن خطوت هنا أو هناك، فأنا أتقافز على القطع المتناثرة، هناك كنت أطبخ ويبدو الطعام لذيذ للغاية، هنا أطبخ وأتبع نفس الوصفة والوقت، لكن الطعم يشبه القيء، في كل مرة أجدني مرغمة على أكل ما أطبخه، اتمنى أن يكون الأمر نابع من شعور لا حقيقة الطعم، فأنا أثق بموهبتي في الطهي. في الحقيقة أنا أخشى أن أشعر بما أشعر به، منذ عدة أيام قرأت مذكرة كتبتها في لحظة من أكثر اللحظات يأسًا، قهقهة للسماء ثم بكاء مريع، يا الله كم لبثنا؟ أنا أكتب ولكن لا أصدق كل ما مر، ما زلت أكتشف الأشياء تباعًا بعد مدة زمنية طويلة نسبيًا.
مؤسف أن أظل حبيسة النكسات الطارئة، والانتكاسات المعاكسة، بكل الصدق أريد أن أموت وأرتاح، مثل كل من نحبهم ورحلوا، أريد أن يسقط عن كاهلي كل هذا الوزن، الذين رحلوا وتركونا في أوج قوتهم هم الأوغاد، أو الأذكياء حتى، والله نحن لا نطيق حمل ما نحمل يا الله، في هكذا حالة أجيز الهروب، ولا ألومهم لأنني أحب كل من رحلوا، وأحيانًا أعزي هذا لقلة حيلتي وأحيانًا أخرى العكس تمامًا. أنا لا أريد أن أموت، أنا لا أريد أن أموت مهزومة، مع أن الوقائع تشير إلى استنزاف مستمر ينتهي بالقهر القسري لنا كلنا، وهزيمتنا ليست أمام غيرنا أو أمامنا أو أمام القضايا العظام، بل أمام الحياة.
بعد استيقاظي بقليل، استغرقت في حلم يقظة، كنت وسط مجموعة أسمع فيروز، مغمضة عينيّ مستغرقة في حلم يقظة، متجاهلة محاولاتهم للاستفهام عن شرودي، وهناك رأيت في حلم اليقظة أحد يطلب مني اختيار شخص واحد أودعه في حال تقرر أن أموت خلال ساعة، رفعت رأسي وجدت أحد الأصدقاء ينظر إليّ ويسأل:"فيم تفكرين"، قلت له باختصار، فحاول يتسائل ليصل إلى إقرار مني بأن الشخص الذي اخترته هو حب حياتي، أزعجني الأمر، لأن هذا غير صحيح، أخبرته إن كان هو مؤمن بالتناسخ فلأن هذا الشخص ينتمي لذلك العالم كما أشعر، وإن كنت أنا أنكيدو فذلك الشخص هو جلجامش، لا أكثر، وضِعْتُ في جدلية تساؤله المستمر عن ماهية الحب؟ وكيف أعرف أنني ربما لا أعرف ما الحب، لذلك كانت ثنائية جلجامش وأنكيدو صياغة التفافية مني. غريب للغاية، هل يوجد أوضح مني أنا؟ 

أريد أن أكتفي بهذا القدر

24/01/2019
13:10 بتوقيت الدوحة

هناك تعليقان (2):