الجمعة، 1 سبتمبر 2017

دردشة

محررة يوم السبت 27 فبراير 2016


لدي أصدقاء من أغلب الجنسيات تقريباً، اعتدت على ارتياد موقع إلكتروني منذ عدة سنوات، كثيرة هي المحادثات العفوية والطارئة التي ما إن تنتهي حتى تنسي محدثك وماقيل، كنت مضحكة جداً في البداية، ربما كنت الوحيدة التي تسأل عن الدين وتلك الأسئلة الساذجة، غالباً هذا طبيعي جداً، هذا مانتحدث بشأنه، هذي طريقتنا في التعارف.
أنت تنتقل بلمح البصر بين المجرات، أحضر لي دليلاً واحدة يثبت العكس! هذي الحياة كذبة بتفاصيلها والمجمل، وأنت لاتفرق شيئاً عن حشرة التنين التي تحتضر أوالفأر الذي قتلته المصيدة، أجسادنا هشة أكثر من الرماد.
لايوجد أي منطق لامتلاكنا وعي وآمال وأحلام واهداف لامحدودة، مع جسد سريع التلف لن يحتمل ساعة عمل إضافية، وستشعر بلحمك يتفتت إن أكلت خطأً قطعة جبن مالحة، كيف يتيبس جسمك دون أن تشعر حين تبقى واقفاً لساعات تفعل ماتحب، لماذا لانملك جسداً أكثر فعالية، على الأقل يوافق طموح أرواحنا.
المناسبات الاجتماعية مثيرة للتقزز، نحن نزيد بها عزلتنا، لن تحتاج لتشعر بالفرحة بارتباطك أن تجمع الناس، أنت تهرب إلى الناس من نفسك، من الكذبة التي كذبت، ليكذب الناس عليك لتصدق على الأقل كذبتك أو ترتاح لأجلها، فكرة الخطأ الجماعي مريحة جداً.
تخيفني حالياً فكرة التشابه، نحن نشبه فئران هامستر كثيرة في مختبر واحد، نفس الطعام، نفس الظروف، نفس المعاملة والأهداف، ردود أفعالنا قد تختلف قليلاً، لكن نبقى متشابهين سلوكياً بنسبة 99% فيما عدا التشابه الجيني، تخيفني كمية الانفتاح التي وصلت إليها، بابلو يعيش سعيداً منعزلاً في دير ويستخدم الإنترنت لينشر الإنجيل، الكتاب المقدس دون تفسير أو أي شيء، بابلو شخص لطيف، يحب أن يبادر بالاطمئنان من فترة لأخرى، يعدني بانه سيطلب من السيد المسيح أن يتابع خطواتي ويبعد الشرور، إيزي أحبه جداً لم أجد سبباً للطفه في البداية، إيزي من جزر المالديف عاش لمدة طويلة في المملكة المتحدة، وصلها صغيراً كمهاجر غير شرعي، أكمل دراسته فيها وحقق شعبية بين الأوربيين، عرفت أن كل مساعدته ودروسه ومحاضراته لم تكن إلا لأني أشبه أخته الصغيرة التي حرم منها، لم آخذ كلامه بأنه يغير ديانته كل شهر على محمل الجد، لكن أثبت هو، وعرفت أن اسمه كان محمداً قبل الإلحاد والهروب من البيت بسبب ضربه ليذهب للصلاة، إيزي عاش يتيماً تقريباً لكن لايجرؤ أن يتبجح بقصته، يعيش مع أصدقاءه الأوربيين متنقلين بين الجزر خصوصاً في الصيف، ويخصص الخميس للبار، يكثر من الشرب وباقي الأيام لاشيء تماماً، حتى اللحظة أسأل نفسي: ماذا كان يمكن أن أفعل دون المواساة حين خانته صديقته؟ لم أجرؤ على القول بانه يمكن أن يبدأ من جديد ويبحث عن صديقة جديدة، ثلاث سنوات مرت ومازال هو يتعذب، لاسيما أنها تزوجت صديقه الذي وجد عملاً فور إفلاس الشركة التي يعمل بها الثلاثة.
الحياة تسير على نحو معقد في أماكن، وبسيط في أخر، تريستان استئذن المجموعة ليذهب رحلة إلى ماليزيا، كان مستاءً جداً حين منعت حفلات عيدالميلاد، وإيزي ببساطة تجاهل الموضوع، كنت أصغر الموجودين، تريستان لايحب اسمه لأنه يشبه اسم فتاة مدللة، تزوج سريعاً من فتاة ماليزية لقيها صدفة، أتذكر يوم تناقشنا عن نعوم تشومسكي، قرأ تقريباً كل شيء لهذا المفكر، أثار حنقي حين كان يشكو كثيراً من ضغوط العمل واستغلال مديره، ثم فاجئني بتعلمه قيادة الطائرة، والأدهى صوره وهو يحلق فوق سهول وصحارى أستراليا، مرة كان يشكو من فاتورة عيد الميلاد حوالي 700$ من أجل الشجرة والهدايا فقط! لكن يغفر له محادثته مع جندي أمريكي سابق خدم في العراق، الجندي محطم تماماً لأنه فقد كلبه في بغداد ولهذا السبب فقط يكره العرب والشرق الأوسط، ولاأنسى حين كان يحصل على نسخة من كتابي الجامعي حين بدأت بدراسة اللغة الإنجليزية وكان يرسل مقاطع بصوته لكي اتعلم اللهجة مع أنه ورطني باللهجة الأسترالية، ولا أحد منهم معتاد على المصارحة! بدا لي أنني أحرجته حين أخبرته أنه شخص جيد.
الأقرب كان دائماً وأبداً إيزي، مرة كانت صديقة كبيرة في السن من إحدى ضواحي لندن تخبرنا برغبتها بالخروج عارية، لكن متخوفة من بعض الإشكالات في الحي، فنصحها إيزي بأن تشغل الكاميرا وتسير أمام أصدقاءها وتحقق رغبتها، لكن بشرط أن تغمض عينيها بيسان أو تغادر لربع ساعة فقط، اعتدت على اتباع نصائحه حرفياً لأنه بشكل مايعرف ما أكون ومن أين وماذا يعني "من أين" ومترتباتها، كما كان يسير معي بالتدريج في أمور كثيرة.
أزمة كبيرة حصلت حين تعرفنا إلى آدم، بنفس عمري لكن أكبره بشهرين فقط، آدم هنغاري والده متوفى وأمه متزوجة أمريكي ويعيش في المكسيك، المشكلة حين علمت أن هذا الصبي لديه مربين خاصين به، لديهم بروتوكول معين يسيرون عليه، وقال أنه حين يبلغ العام الثامن عشر سيحصل على شيء ما كفرد من العائلة الحاكمة!! إن تاريخ العائلات النبيلة الأوروبية خاصةً في القرون الوسطى أحفظه، وهذا يسير عليه، لكن الواقع مختلف تماماً هؤلاء يصنعون روبوتات غريبة، الأمر أشبه بصدمة، حين عرفت بعض التفاصيل فضّلت أن أتجنب آدم كي لاأخسر مزيداً من الأفكار التي أعتمد عليها.
يوجد هناك بشر من كل الأنواع والأجناس والأديان، شخص آخر بمثل سني لايحضرني اسمه، تشاجر معي "متوقع مسبقاً" بأحقيتهم بالوطن الجديد أو أحقيتنا نحن، كل منا حاول الإثبات، ودخلنا في معركة طويلة للإثبات، حوار طويل طويل أندم عليه حتى اللحظة، لأنه عقيم فقط، ولأن كلينا أحمق، المجنون قال لي: إن مللت من المخيمات يمكنك العودة لبيتك ببساطة تحت حكم الدولة الحالية، لاشيء منطقي البتة بالصراع القائم، هل تبدوا القضية معقدة لغيري؟ هل حاول أي مستوطن في العالم أن ينسب بلاداً له تاريخياً؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق