الأربعاء، 22 يناير 2014

يوم مبهج وطيب جداً

يوم مبهج وطيب جداً


*قبل أن تقرأ عزيزي/تي

إن كنت لست من هواة التفاصيل الكثيرة والصغيرة، فلا أنصحك بالقراءة.

وأحيطك علماً بأن لدي الكثير من هذه المقطوعات، التي اسميها شرائح الذاكرة، ولكن هذه أول واحدة تصعد لشبكة الانترنت.


الثاني والعشرون من يناير في السنة الرابعة عشر بعد الألفين، لا بد أنه يوم طيب ويصادف يوم الحظ للكثيرين مثلي. البارحة بدأت البشريات حيث فزت مرتين في لعبة، لا أقصد بالتفاؤل أو التشاؤم من نتيجتها التطير أو سواه، لكنه شعور يلازمني أن مدى جمال اليوم يعتمد على درجة النجاح فيها، وقد فزت بتميز مرتين متتاليتين، ربما كان يعني ذلك حظ مضاعف للغد! هذا ما خطر في ذهني.


كان الأمس يوم الانكباب العظيم على ماكبث وشكسبير والساحرات، حيث أنهيت ملخص المسرحية والنقد، في زمن قياسي ولأول مرة انهي مادة دراسية بهذا الشكل، لكن القلق البالغ كان يتزايد حتى رأيت ورقة الامتحان، أخبركم عنها في الفقرات التالية. ظننت أنني احتاج لمزيد ومزيد من الدراسة في الدراما لكي أحصل على درجة مقبولة، بقيت طوال الوقت أسأل وابحث وأتعسس عن أسئلة محتملة واسلوب محتمل.


في نفس اليوم السابق أخبرني الأصدقاء عن مهمة لأتولاها إن رغبت، وهي حقاً مسئولية عظيمة، أن أشارك في نشر الحقيقة، لم أرد أن أقول لهم هي مهمة شاقة وأتمنى أن يوفقني الله عليها، لكن أبقيت ذلك بيني وبين نفسي علّني أخلص النية لذاتي ولله، ليلة أمس حصلت احداث وارتقى شهيدين في شمال القطاع، فتطلب الأمر أن أباشر مهمتي، لكن لم أكملها لأن الامتحان ينتظرني صباحاً وهناك من يقوم بالمهمة بدلاً عني مؤقتاً.


حينما بدأت طقوس النوم، عاهدت نفسي هذه المرة أن لا أسافر لأي مكان آخر خارج نطاق غرفتي، ولن أقابل أشخاصاً أحياء أو أموات أو حتى وهميون، قررت هذي الليلة أن أشغل رأسي بامتحان الغد، بعيداً عن صراعات القرون الوسطى التي تشغل معظم الفراغ، قررت  أن لا أرى أمامي إلا ماكبث وشكسبير، حاولت ان أتخيل شكل الملك وماكدف، وماذا يدور بخلد ليدي ماكبث، وكيف تجتمع القوة التدميرية والإرهاب والبطش بالناس مع الحب الشديد لزوجته؟!

ثم ذهبت بي الأوهام لقلعة ماكبث الهادئة، بدأت تأخذني أرضية عشب الغابة، إلى غابة أخرى في مكان ما، فاستنجدت بنفسي لأننا اتفقنا على أن لا نغادر أحداث المسرحية أو غرفتي، حينها قررنا أن نعقد اجتماع عاجل في الصندوق المغلق في قلب الدماغ، وقفتُ أمامي حاولت أن أصافحني، لكن نفسي هربت منّي كانت سريعة جداً كأنها تطير، بعد برهة رأيتها تدخل أحد الشوارع الشبيهة بشوارع المخيم، توغلت كثيراً وأنا أتابعها وأحاول أن أتحرك بنفس السرعة.

بعد أن قطعت مسافة كبيرة انحرفت يساراً نحو منطقة توسطتها شجرة توت، عرفت البيت مباشرة هو بيت خديجة صديقة عزيزة جداً، كنت قد حادثتها منذ فترة أشكو افتقاد رفيقتنا الثالثة رولا وبعدها عنا.
ثم أتاني النعاس من حيث أدري ولا أدري، ايقظني صوت اخوتي يستعدون للمدرسة في السادسة صباحاً، كانت السكينة التي تحيط مخدعي مهيبة وجميلة، شكرت الله كثيراً عليها حتى أنني وعدته ان لا أشكو همي مرة أخرى، واخشى يوماً أن أنكث الوعد لكن سأحاول جهدي ان أحافظ عليه, قررت حينها أن أنذر ساعة كاملة للتأمل ولدينا وقت للامتحان، أعقبت استيقاظي مشاجرة صغيرة مع أمي احاول للمرة الألف أن اقنعها أنني لا يمكن أن أتعاطى الكافيين أبداً، فلا يمكن أن ترغمني على القهوة أو النسكافيه أو الشاي أو الكابتشينو بأي حال من الأحول، فأعدت بعض الحليب والأعشاب، كنت ممتنة لها.


لكن الوقت لم يسعفني لأظهر امتناني فأسرعت لكي الملابس والاستعداد للذهاب، كانت الساعة الثامنة وعشر دقائق حين هممت بالخروج فلم يتبقى سوى ثلث ساعة للامتحان، لكن لحظة! بطاقة الهوية والبطاقة الجامعية ليست هنا!


وهكذا أضعت عشر دقائق أخرى للبحث عن بطاقة الهوية، حين خرجت وفقت في إيجاد سيارة أجرة أمام الباب، فوصلت كراج الجامعة، كان في الموقف ميكروباص يسع 20 كرسي، لم يكن فيه إلا 5ركاب، النظام في الموقف أن تنطلق السيارات وتمتلئ بالركاب حسب دورها، الامتحان على بعد أقل من 10 دقائق ونحن بحاجة ل20 دقيقة على الأقل لو انطلقنا حالاً، لكن السائق أصر أنه لن يتحرك إلا حينما يمتلئ الباص "اصبري يا بنتي"، بعدما مر على بداية الامتحان حوالي عشر دقائق او ما يزيد، انطلق الباص بسبعة عشر راكباً.


ابقيت النافذة شبه مفتوحة، رأيت الكثير من الناس، وفي أغلب الأحوال أطلق التشبيهات عليهم، هذه تشبه فلانة، وهذا مثل فلان، تنقلت عيناي بين ضباط الشرطة على المفترقات أحدهم أرسل نظرة شريرة نحو الباص ترى بم كان يفكر؟ ربما تذكر إحدى المشاكل التي تحدث في الجامعات وتمر عليه بحكم مهنته، أو ربما لديه مشكلة شخصية مع الميكروباص فوبيا مثلا أو حادث حصل له أو لشخص يعرفه، او ربما أحد ما أزعجه هذا الصباح، او بدأت مشاكل المواطنين تهل مع الصباح! "يا صبّاح يا فتّاح".


الهواء الذي يقتحم الميكروباص من النافذة شبه المفتوحة، قوي للغاية وبارد جداً خشيت أن يتسبب لي بنوبة برد فأغلقته واكتفيت بالنظر من خلف الزجاج.

انطلاقاً نحو غرب المدينة أول ما رأيت بيت جميل حديث البناء، ثم الحي السعودي الجديد، تذكرت أن هذي المنطقة تسكنها الكلاب المشردة بكثرة لأنها منطقة بعيدة وشبه مهجورة، ولا سيما أطراف الحي السعودي-حي أقيم بتبرع من المملكة العربية السعودية لمن فقدوا بيوتهم خلال العدوان الاسرائيلي-، بعض البيوت بطابق واحد أو اثنين أو ثلاثة وتلك التي على الأطراف تبدو غير مأهولة بعد وبعض النوافذ محطمة!
بحثت عن الكلاب المشردة أو القطط أو الغربان بين البيوت المتباعدة أو التلال أو الشجيرات، فلم يبدُ شيئ إلا بعض الأطفال، أثناء سيرنا كان الكثير من الطلبة منهمكون في امتحان الفترة الأولى، تنبهت لأنني لم أدفع بعد وأخشى ان لا يملك السائق الفكة، فجمعت الأجرة من الجميع واعطيتها للسائق وحصلت على الفكة دون انتظار، وأظن أنني وفرت عليه عناء البحث عن فكة!

انطلاقاً إلى قاعة امتحان الدراما، قاطعني موظف الأمن طالباً مني أن أشيح بنظري عن الورقة المثبتة على الباب وتظهر أرقام القاعات لكل الامتحانات، متعللاً بأنه يعرف جيداً في أي قاعة سأكون إن عرف مادة الامتحان، كان يحمل نفس الورقة التي كنت أنظر إليها ، فقلت له: أنا في القاعة 8305! فقال: طيب! بدا عليه الحنق.


دخلت القاعة وبدا لي المراقب المتجهم، نقلني من مكاني لكي يجد المكان الأنسب رغم أنه لم يكن يوجد مقاعد شاغرة إلا اثنين! وبقي وافقاً بجانبي لكي يراني أكتب اسمي على سجل الحضور، ورقة الأسئلة، وكراسة الإجابة، بدا لي شريراً وتأكدت حين منع استخدام القواميس من الهواتف لغاية الترجمة، لأن الامتحان مقالي بالكامل ولا بد أن تكون إحدى الكلمات شاردة هنا او هناك.


أجبت الأسئلة باللون الزهري والبنفسجي والاخضر والأزرق، وسلّمت الامتحان حالما انتهيت، كان الامتحان الأفضل على الاطلاق، ثلاثة أسئلة مباشرة تطلب أن تحكي قصة فلان أو فلانة أو هذا الحدث.
وكالعادة وكأي شخص تلتقي بطريقك بزميلات، مصافحة، وأحاديث، وتكمل الطريق، لم أعرف لأين أذهب أردت أن أنجز بعض المعاملات والأمر ليس بهذه السهولة لأني لا أعرف المنشآت في قسم الطلبة الذي أصبح قسم للطالبات مؤخراً، في طريقي صادفتني مفاجأة رائعة برؤية صديقة قديمة، رغم أنني لم أتوقع أن أراها، ورغم أنني أخبرتها برغبتي للقائها وافتقادي لها عبر صديقة أخرى، كانت رائعة أخبرتني انها أجلت الفصل السابق لأنها تزوجت كان فعلاً شيء جديد طرأ عليها، أخبرتني عن مكان عمادة القبول و التسجيل ذهبت مسرعة من فرط سعادتي، ولا أدرِ لِمَ لَم أطيل الحديث معها مع رغبتي بذلك، كنت أريد أن أقول "رولا اشتقتلك"!


انتهيت من الاجراءات ومن طابور المالية الطويل، وصلت للقسم فظهرت بعض العراقيل، حيث أن الأعذار التي تقبل لامتحان غير مستكمل لا يجب أن تتعدى تقرير خروج من المشفى، أو شهادة وفاة، لكن أصريت على أدراجها ضمن الطلبات، وحان وقت العودة للبيت مع كمية لا بأس بها من الشوكلاته والأشياء اللذيذة من الكافتيريا.


أول شيء فعلته حال عودتي تصفح الانترنت، فقد بقيت ساعتين لانقطاع الكهرباء فالدور اليوم مسائي! الساعة الثالثة مساءً هي ساعة محورية لسكان قطاع غزة، هناك من تنقطع عنهم الكهرباء في هذي الساعة، وهناك من تعود إليهم مع الإضاءة وزغردة جرس البيت، الرقم ثلاثة في غزة تماماً مثل مسرحية ماكبث هو رقم سحري، في ماكبث هو عدد الساحرات والحيوانات وبعض الأحداث والمعجزات، لكن في غزة المعجزة أن تأتي الكهرباء قبل هذا الموعد أو لا تنقطع في هذا الموعد!


وجدت في حسابي الفيسبوكي رسالة جميلة من الجميلة إسراء المدلل، وإشعارات كثيرة مع مهام تنتظر على السلم، بينما لم أتمكن من حضور لقاء نادي المناظرة الأول الذي أتمنى له الكثير من الأشياء الجميلة، حاولت أن أبقى على اطلاع بالأمر، أبحرت في تويتر بعدها رأيت الشمس ونبات الفقع، الذي ينبت في السعودية، انتظرت رسالة من نينا الجميلة لكن يبدوا أن الكهرباء باعدت بيني وبينها.

من أكثر الأشياء التي تثبت أنه يوم جيد، حين فتحت صفحة
find my mobile وجدت هاتفي المفقود online !!!! هذا يعني وبلا شك أنه في المتناول عاجلاً أم آجلاً، رغم أني كنت سأستغل فقدانه لأشتري هاتف note 3 فهو ابن عمومة لهاتفي المفقود لكن أحدث منه بقليـل.


 وأخيراً انقطعت الكهرباء واحتجت هذي الفسحة بعيداً عن الانترنت لألخص ما جرى في أقل من 24ساعة، لأفكر بالإنجازات العظيمة التي ستكلل هذي الإجازة القصيرة بإذن الله.

هناك تعليق واحد:

  1. أعتقد أن ابتسام القدر ليس بسبب صدفة أو لأنه " قدر " .. بل لأن هناك حكمة عملتِ بها دون إدراك منكِ لشأنها ولم يخطر ببالك حتى أن قائلها كان يُرّغب بها بنفس نتيجة الحوادث المُبهجة !

    أرجو لك إبتسام القدر من مالك القدر .. عندما تطبقين الحكمة بوعيك التام :)

    أيضاً .. لن أنسى رونق شكسبير من الذكر !

    ردحذف