وأخيراً اكتب.
أظنني شعرت بالفعل بالقليل من معاني العزل الانفرادي، أن تكون وحدك في زنزانة متر بمترين دون إضاءة أو أحد حولك، يا ويلنا مما يعيشه الأسرى.
هنا لا كهرباء، عتمة من يميني ومن خلفي ومن تحتي ومن فوقي، ولا أرى أطرافي التي أشعر بها..
ربما وصل الحال لأن أشتم نفسي، ثم أحاول ان أحبها وأفكر كيف يمكنني تقبيل نفسي ؟!
ثم عرجت على أفكار فلسفية عميقة مثل: انعكاس أفكار الساسة على الشارع، وهل يمكن بالفعل إحداث طفرة ما لكي تختصر الحداثة طريقها إلينا، حتى الملابس وولماذا ظهرت وكيف؟ ووما هي الأبعاد الأساسية لظهور الفيزون، وإلام يرمز؟
يبدوا أن حجم الخديعة كبير جدا جدا، لماذا سيضرك شخص من بلدك؟ ماذا يقصد بأن يجعلك تعاني من مشكلة الكهرباء مدة ثمان سنوات، هل هناك حقاً ما يحاولون إلهائنا عنه؟
الحياة بالمطلق ميتة تماماً في العتمة، وكأنك بالضبط داخل العدم، حاولت أن اؤمن بالمعجزات، جربت العد للرقم 90 وبالمقلوب أيضاً لكن لم تعد الكهرباء، جربت اختيار ارقام عشوائية 15، 16، 25، و14، لكن عبثاً، خطرت ببالي فكرة بما أن اللابتوب يحتاج لشحن، سأجرب وصله بالشاحن ربما تحدث المعجزة وتفاجئني الكهرباء بعودتها فور وصل الشاحن، لكن عبثاً أيضاً، ما زلت متمسكة بفكرة أن عودة الكهرباء ستكون قريبة وستكون استثنائية، تسائلت لماذا لا يستجيب لي الله؟ و احدق بالعتمة قليلة ثم اعود للعد حتى بدأت أسمع سورة مريم.
سورتي المفضلة، لا أدري لم بدأت بذكر زكريا عليه السلام وهي سورة مريم، تأكدت لي النظرية القائلة بأن الإيمان والعمق الديني متعلق بالرخاء الاقتصادي والمكاني والنفسي، لم أستطع التركيز دون كهرباء وبهذا الحال.
الذاكرة هي المهرب والملاذ، حين تبدأ تقيم صحتك العقلية ولا ترى إلا العتمة، الكثيريون يفكرون بأشياء مخيفة بالعتمة، إحدى جاراتي يخيل إليها أنها ترى ملك الموت في العتمة، لذا لا تستغني عن الشمعة أبداً.
لا مهرب من العتمة، الصلاة حل رائع في كل الأوقات، كان الله أمامي ووجدت كل الإجابات، لكن عبثاً هناك شيء يلفظ أنفاسه الأخيرة داخل القفص الصدري.
حاولت أن افكر كيف أحفظ افكاري من الضياع قبل عودة الكهرباء، جربت أن أطوق رأسي بذراعاي خوف أن تهرب الأفكار، احتفظت بها لخمس دقائق فقط، جربت بعدها أن أرددها بعقلي أكثر من مرة بشكل متسلسل لكي أكتب، ولكن في متاهة العتمة اختلط الترتيب، وتاهت واحدة وانفرطت المسبحة، إذن بقي حل أخير هو الكتابة، ووجدت الورقة وتناولت القلم لأكتب على ضوء الهاتف الذي سيقفل من تلقاء نفسه بعد قليل لأن البطارية شبه فارغة، وحين قالت اختي "ياااااارب!!!" لحظتها عادت الكهرباء !
بعض مني لا يرد أن أنشر ما كتبت، لكن البعض الأخر يريد، الأمر مؤلم حقاً ويجب بأي شكل أن يوجد حل قريب.
وحين أفكر بكل الأزمات والحصارات التي تطوق نفس المواطن الغزي وعقله، والحروب الماضية، والحملات العسكرية المتلاحقة، لا أظن الغزي مؤهل نفسياً ليكون إنساناً حسب النماذج الموجودة في دول العالم المتقدم، ربما الغزي فقد نفسه وإنسانيته، والروح ربما استشهدت في إحدى الاجتياحات أو الغارات، أو ذات انقطاع كهرباء.
لا أحد صحيح ولا أحد برئ الجميع يجرم في حق نفسه والآخرين، وكلنا مثل الآخرين، ننتظر معجزة، ربما كانت المعجزة أن يخسف الله الأرض بنا فنحن لم نعد نستطيع الحياة بشكل اعتيادي كباقي البشر، ربما فكرة السفر في العطلة تعد لدى الغزي ترف مبالغ وإسراف في متع الحياة، ينبغي أن تتوب عن التفكير فيه، حتى الاقتصاد والتشاؤم والقلق الذي يسكن بين العضلات الملساء في الأذرع والظهر يجعلك لا تعرف ما تعني الراحة. طيب هل فكر أحد بعمل حملة مساج مجاناً لكل غزي؟ أو جلسات يوغا ما بعد انقطاع الكهرباء وما بعد كل أزمة.
ربما حقاً يحب الله غزة، ليبتلينا بهذا الكم من المصائب المتلاحقة والصبر الذي لا ينتهي، لكي نكون أكثر حكمة ونضجة من باقي شعوب الأرض، ربما !
ما الفائدة من نشر ما تكتب حقاً؟ الأفعال لا تحتاج أقوال لتبريرها، هذا يوحي لي بضعف موقفي ويوجعني، لكنني سأنشر ما كتبت ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق