بينما جالسة مع أصدقاء افتراضيين، قلت لهم عن وجه جميل رأيته اليوم، بدا الأمر في البداية وكأنني أغازل أحد الموجودين، أخبرتهم هو شخص غير موجود بيننا الآن، لكن اليوم بينما أتنقل بين المحطات رأيته، زدت بأن رؤية وجه جميل تشبه رؤية حديقة في الربيع، وهذي من جماليات الكون حولنا، يعني لا داعي لربطها بأي هرمون، مع أنها أفعال غريزية الدافع، أعرف مثلًا أن وجهي مريح للنظر، مع هذا عندما يصاب بالبثور أو الجروح أشعر بالارتياح، يعني واضح أن هناك حياة، أما عن الوجوه الأخرى من جديد، أحب رؤية وجوه الأفارقة، الفتيات السودانيات والإفريقيات عمومًا يمتلكن وجوه لا أمل من النظر إليها، وما رأيت اليوم كان يفيض حياة، كان يشبه بساتين خضراء على مد البصر، مع هواء بارد، خفيف يمر فوق العشب، الذي يمتد لطول نصف متر تقريبًا، وهناك ورود برية متناثرة، مع حيوانات وديعة تقفز خلف الأشجار البعيدة، وكان هناك شجر تفاح في المكان، وخوج وكرز، ورائحة أزهار وفاكهة
حين أنظر للوجوه، في الحقيقة أرى لوحات وانعكاسات لصور في الطبيعية، أعرف شخصًا مثلًأ وجهه يشبه البحر تمامًا، وجه اليوم سهل أخضر على ربوة، بعض الوجوه سفوح جبلية رمادية مع أكثر من وعل يقفز هنا وهناك.
لست أعتبر نفسي جميلة، ولو كنت خارقة الجمال لن أكون سعيدة، شاهدت منذ سنوات فيلم دوريان جراي، ربما من أكثر الأفلام التي تأثرت بها، كانت لعنته هي الوجه الجميل، لم ولا يكبر مع الزمن، لا يخدش، لا يتأثر، أكيد على الأقل سيصاب بالضجر، ويشعر بالملل من كونه مصاص دماء مثلًا، ولو حصلت على الخلود سأشعر بملل، وقتها سأرى كل الناس، والأماكن، وأجرب كل ما قد يلوح في ذهني، ثم سأتجول في العالم أبحث عن شيء أفعله فلا أجد، بعدها قد أبادر بابتكار أشياء أقوم بها، ثم أشعر بالملل، وقد أكون محظوظة بإيجاد شخص خالد مثلي، فنتشاجر ونجد قضية أخيرًا تستحق الاهتمام والمشاجرة بالطبع، ربما سيكون السبب فستاني بلون غزل البنات، أو من سيأخذ خوذة الفاينكنج الأخيرة المتبقية، وهناك أسباب كثيرة ممكنة، ربما سنتشاجر في مزاد علني على صدرية ليدي جاجا التي على شكل قفازين.
الأمور بتمامها يعني فيها إشكالية، لهذا تؤلم الخيانة الزوجية ربما، أنا مثلًا ليس لديّ مشكلة أن أموت الآن، متصالحة جدًا مع الموت، لكن ليس الأمر كذلك بشكل كبير مع الانتحار، مع أنه يحقق معادلة سعادة بشكل ما، يعني مثلًا لماذا نشعر بامتنان تجاه الموتى أصحاب التجارب غير المكتملة؟ الامتنان أم الشفقة؟ الامتنان والتقدير، الشهداء والموتى الشجعان، الأمر أكبر من الموت من أجل فكرة، إنه القدرة على ترك كل الأشياء خلفنا، والدائرة كما قيل غير مكتملة
أعود للحديث عن الفن، كلهم أقصدي دافنشي وأصحابه، رسموا الوجوه، والبورتريه، ولديّ كتب متخصصة في البورتريه، فن رسم الوجوه، لكنها صماء تمامًا، والحقيقية لا تشبه محاكاة أرسطو، الحقيقية تكاد تنطق، باختصار يعني، هناك تقصير بشأن البورتريه، كلنا نعرف كم تسرق ما تسرق منّا هذه الأشياء، ولكنها ترينا من نحن، وما نحن، مرة غضبت كثيرًا وكدت أكسر المرآة، لا أعرف كيف استبد بي الغضب ليتصل بموجة بكاء، حينها كنت قد مللت من وجهي، نفس الأنف والعينان دائمًا، نفس الفم، نفس كل شيء، ولكن ترحل البثور عن الخارطة وتعود للسباحة نحو شاطئ جديد، حين يمدح صورتي أحد، أقول لهم: هذا وجه فنسنت القبيح، في الواقع، فنستن لم يكن وجهه قبيحًا، بل غابة من الجمال، كله طيور وأشجار عالية قديمة، تشبه شواهد عملاقة في عالم كبير كثيرًا، وجهه هو غيوم متحركة فوق تبة صغيرة وغابة وراء جدول، ونباتات مزدحمة، لديه عينان تلتقطان أجمل في ما هذا العالم، إنه يشبه إيزيس، قلبه الغض الطيب كان يتلقى نفس الحجارة من الأولاد كل يوم، يتعافى في نهاية اليوم، يعني حين يحني ظهره أمام القنديل لأجل ثيو، فيترمم كأنه مطاط مُعالج، ويعاود تلقف الأحجار على الطريق في يومٍ آخر
تمسون على خير
28/12/2018
الأولى بعد الخروج من غزة