لا بد من فعلها، يصادف اليوم ذكرى عاشوراء، يجعلونني موضوع نكاتهم مؤخراً.
الحسين له صورة مبنية على روايات وصفية متواترة ، هذا يسهل المهمة كثيراً، منذ انتقلت إلى هنا أصبحت أحسب على آل بني أمية، في المجالس التي تغلب عليها الأحاديث الدينية، ترمقني فاطمة بتلك النظرة، تقول "هذا ما فعل جدك بإمامنا وحبيبنا، وابن ابنة وحبيبة خير الرسل.." ثم يضحك الجميع، حين تفكر من زاوية حاكم أو خليفة سيؤرقك التفكير بطريقة للحفاظ على وحدة الدولة وجمع تلابيبها، فما بالك لو استيقظ تمرد أو ثورة بقيادة حفيد مؤسس دولتك! لا بد من حسم وإن مات مقتولاً معروف أنه من أهل الجنة بكل الأحوال، طيب كيف اجعل اتباعه وأي مارق يفكر بتقليده؟ سأمثل بجثته، بسيطة إنه من أهل الجنة.
حسناً، أنا لا أحب الرأسمالية لكن يبدو من الصعب أو المخيف العيش دونها، هذي القبائل كيف سيمكن الإمساك بلجامها، والحلفاء، أخشى أن حلمه شرعي لكن بعيد المنال، كلنا نعرف أن الثوار لا يحكمون، وأنهم إن حكموا قلدونا، الأمر يشبه اتخاذ موقف سياسي، والتشدق ليل نهار بمحاسن القائد أو الحزب وثم في أول معاهدة أو تصريح يتعلق بإسرائيل، تتوه البوصلة، نترنح قليلاً ونرجع خطوة للوراء ونبدأ بإطلاق مبرراتنا، كما هو الحال مع أردوغان رجل النهضة، هناك نقطة اللاعودة التي يرتبط فكرنا أو قرارنا بمصيرنا، وللأسف المركب بيغرق يا قبطان، أين القبطان؟ يبدو أن لديه زورق سريع.
نقطة اللاعودة، إن تم الاعتراف بأحقية النظام الجديد، هناك آلاف المعترضين، والمغامرة بالدولة أقصد برأسي ليست منطقية، وهو شجاع جداً يستحق أن يخلد وأن تجعل لرأسه قصة كما سيفه وولده وذويه.
هؤلاء الأعراب ليسوا صادقين مع أنفسهم، مبالغته في الزهد حماقة، يوجد أفكار كثيرة هنا، رايتان صغيرتات لرجلين واحد بعمامة سوداء وآخر بعمامة زرقاء وقرمزية، وقفت أمام المشهد وقلت: "دعونا ننهي الخلاف هنا."
علي الصغير خطف الراية الثانية داسها بقدميه وصفقت أمه، يغفل الكثيرين عن وجود حسين سابق في زمن الإغريق، تتلمذ على يد داعية المحافظة والخائف من نوبات السياسة التي كانت تعصف بأثينا وقتها، أتباعه زادوا بعد موته، نعرف أن أرسطو كان ابن الحياة،لا أعلم حقيقةً إن كان مفهوم الفن الإسلامي سيختلف إن كانت الغلبة للحسين عليه السلام، المهم أن كليهما الحسين وأرسطو كانا وجه الإنسانية التي تنقلب على النظام الذي يستهدف الجماعات في سبيل الأقليات.
طريف جداً كيف أصبحت إيران حليف روسي جيد، وقد كانت حامية أمريكية في وقت ليس ببعيد، لا يغيب عن أحد أن ظاهرة العسكرة تغلب على الجمهورية، وأن راية "يا حسين" ستبقى خفاقة فوق سهول وجبال فارس مع وجود آية الله الخميني، بعكس روسيا التي تتصدر جبهة صراع إدارة أموال العالم مع أن الأمر يختلط أحياناً مع أمريكا حسب كلام المعارضة الروسية.
هل يستغرب أحد أن يقوم عسكري أمريكي بالصعود يومياً لتلة في بغداد ينادي المهدي؟ حسنا المهدي المنتظر كان أرسطو، كان الحسين،كان غاندي، كان جيفارا، كان ياسر عرفات لو أنه...، ما علينا.
الحجارة كربلائية هنا، بكينا سوياً حتى انتصف النهار، في قصة أصبحت تقترب من الأسطورة يجد كل شخص ذاته في أحد جوانبها، أم محمد مثلاً فقدت ابنها في الجبيل، ذهب من أجل أربع: الله، الوطن، الحسين، وأمه. يحاول رجل أن يدس أنفه بحوارنا "أربعون عاماً وأنا أبحث عن أبناء المتعة هاهاهاها...". في ذهني أحاول أن أجد طقس اتحادي مشابه، عندما كانت مكبرات الصوت تنادي لعرض مرئي جهادي أمام المسجد في ذكرى استشهاد منفذ العملية البطولية، بعد صلاة العشاء كنا نتجمع في الشارع أمام شاشة بيضاء كبيرة معلقة على عمود الإنارة، يجلس الرجال على المقاعد البلاستيكية المستأجرة، الأطفال يسدون الفراغات بين المقاعد والممرات، والنساء يضعن أطراف شالاتهن على افواههن، متكدسات أمام أبواب أقرب البيوت للمسجد وصاحبة البيت من الداخل تقدم الشاي والماء. كنا نأتي للعرض حمادة ونغادر إلى بيوتنا مشاريع شهادة. يبدأ بأناشيد جهادية وفيديو للشهداء القادة يلقون كلمات مؤثرة، بعدها مشهد مرئي تمثيلي للعملية البطولية يتبعها وصية الشهيد وصوره أثناء التدريب والكثير الكثير من الدموع والعهود والأناشيد ونغادر.
أزمة حقيقية أن تزور حسينية ولا تلتقي بآل البيت إلا في قلبك وفي أحزانك، طيب ما العمل؟ قلبي يكاد يتحطم وأنا أنتظر أمام السرداب، مهما فعلنا لا يمكن أن يكفي، مات الطيبون وبقي واحد يتاجر بالبشر في البحر المتوسط، ذهب الزاهدون وبقي أحفاد بني أمية يشترون الحصص الكبرى في الشركات الأمريكية ويتشاجرون مع ترامب، قتل الأبرياء وسبيت النساء من العراق إلى الشام وصولاً إلى المجر وألمانيا وكندا.