التاسع عشر من مارس،
في السنة الرابعة عشر بعد الألفين، بالتحديد أكثر الساعة التاسعة ودقيقة ابدأ، كل
شيء في تلك الأرقام يوحي بالقداسة، رغم أني اليوم لم انظر للسماء ولا يهمني
حقيقةً، تكفيني سماءي الخاصة، لن تجد سماء أخرى ملبدة ومعتمة أكثر منها، فلا داعي
أن أرفع رأسي الآن.
في لحظة واحدة فطنت للكثير،
الكثير كان يحيط بي وأنا أراه وفق نظرتي الخاصة، لم أرَ أن هناك عيون شرهة للناس تنتظر
أن تفترس الضحية، حتى أنهم ليسوا أناس ولا يأنسون، وحوش ربما، مَن المذنب ومن المسئول عن مجتمع يصنع
المسوخ؟! "ليس الجميع بالطبع".
أمس الثلاثاء حين
نزلت من الباص، تفاجأت من خفة حقيبتي، أدركت لاحقاً أنه كان ثقل الهموم ليس إلا،
في لحظة نسيت كل شيء شعرت بأنني أخف من ريشة في الهواء، وحين أفكر وأعود للكهف تحط
فوقي جبال أكبر من الجبل الجاثم فوق الكهف الصغير.
سعيدة بلحظات كثيرة
أعيشها واسرقها من الحياة، لا أحد يقدر سعادتي بمراقبة آلاف الضفادع ظهر اليوم في
الجامعة، المئات من "أبو ذنيبة" راقبتهم عن كثب وثلاث ضفادع كاملة النمو
فقط، والبعض الصغيرة، حتى أنني وللمرة الأولى في حياتي أشاهد ضفدع مستلقي على ظهره
فوق سطح الماء، مدهش وجميل، حتى انني فكرت هل الاسترخاء وتقنياته غريزة؟! بالطبع
ربما لأن عادة التمطط بعد الاستيقاظ لسنا وحدنا نملكها، كذلك التثاؤب عند الكسل،
ولحظات الدلال بين الكائنات وأبنائها، والكثير الكثير.
منذ الصباح شعرت أن
الهواء ثقيل جداً، فآثرت الذهاب مسرعة للجامعة، ظانّة أن محاضرتي في الثامنة، تبين
أنها في العاشرة لذلك اختلست بضعة دقائق انظر من النافذة الإلكترونية لأشياء كثيرة
استمتع بها. في محطة السيارات كالعادة تخنقني مشاكل كثيرة هناك، السيارات الذاهبة
لجامعة فرع الجنوب تجعل أربعة ركاب في الكرسي الخلفي واثنين في الكرسي بجانب السائق،
هذي المرة سيارة كبيرة ولكن الإهانة هي نفسها، غيّر أحدهم شكل ومكان المقاعد، جعل
في مؤخرة السيارة اثنين متقابلين واثنين في الوسط، وكرسيين متقابلين بشكل أفقي في
الأمام، لم أجد مكان إلا في الأمام، ولم استطع رفع رأسي لأن السقف فوقي مباشرة،
غريب هل هي سيارة لخراف مثلاً، كيف يمكن لبشر أن تتكيف مع هذا النوع من الازدحام
والكراسي العجيبة؟!!
تخيلت موقف منذ
انطلقنا بدأته، وحتى وصلنا نهاية حي تل السلطان، في الواقع أنني في كل مرة أحاول
ان اعترض على نظام تكديس البشر في السيارة، تمسكني الفتيات ويقلن :"مشيها،
بدنا نوصل الجامعة، خليكي زينا هينا ساكتين!!"، كما انني لم أقبل سابقاً أن
اركب مع ثلاثة اخريات في المقعد الخلفي، دائما أركب في الأمامي وحدي أو لا اركب،
والسائق ما إن يرى الطالبات خائفات، حتى يعلو صوته بوقاحة على الوحيدة المتجرأة
عليه، وبسهولة يحضر موظف الأمن في المكان، ولحسن ظني انه يعرفني فيوقف السائق
ويبلغه انه من الممنوع تكديس الطالبات بهذا الشكل الممنوع ويعاقب السائق.
ما تخيلته حقيقة أنني
غضبت وأخبرت الطالبات أنه من المهين لأحد أن يرضى على نفسه معاملة أقل من البشر،
فمن حقهم أن يحترمونهن ويجلسن بشكل مريح أكثر، على الأقل حين يتقدم سائق آخر
ويحاول أن يحشر الطالبة على الطرف ويغلق الباب بكل ما أوتي من قوة، ويغمز لسائق
بعيد!! كيف يرضين بإهانة كهذه؟؟ وأنني حينها تركت المكان، ثم بعد دقائق خرجت أخرى،
وتبعتها الأخيرات ما دفع السائقين أن يحترموا رغبتهن ويركبن بشكل مريح وبكل
احترام، بالمقابل اخترت حينها أن ادفع ثلاثة أضعاف المواصلة لأركب بسيارة خاصة
تقلني بكل راحة وثقة للجامعة دون ان أشعر بالإهانة، ولا داعي لذكر تفاصيل حلم
اليقظة هذا لأنه ينتهي بكوميديا لا تناسب جدية الحدث وواقعيته ومدى سوؤه، الملخص أنني
أريد أن يتغير هذا الحال المهين بأي شكل.
وصلت قبل الوقت بخمس
دقائق، وصلت المحاضرة التي تتحلق فيها الطالبات حول المحاضر، هذي المادة أحد
المساقات الحرة خاصة بقسم علم النفس، عن الإرشاد النفسي المتعلق بالدين الإسلامي،
ولأن الأغلبية الساحقة من قسم علم النفس، فالأجواء مريحة للغاية، حين دخلت ابتسمت
طالبة اظنها خريجة وأشارت أن اجلس بجانبها، وحاول المحاضر أن يقف بالممر ويمنع
دخولي، ما أربكني جداً، لكن هو بادر من باب المزاح، ربما لاحظ التجهم في وجهي
وعلامات الاكتئاب. هذي المحاضرة قد تسمى المهدئ، المعلومات لطيفة جداً وبسيطة
والمحاضر متدين لا بالمتشدد ولا اللين المخادع، حصل موقف مضحك جداً في المحاضرة
أكتبه لكي لا أنساه، فقد اتصل رقم غريب على المحاضر، والمفاجأة أن شيخ ملتحي يضع
نغمة الرنين موسيقى جميلة، والمفاجأة أنه طلب من الطالبة التي تجلس بجواري أن ترد
وتقول لمتصل أن الرقم خطأ! كانت القاعة كلها مستغربة ولكن الطالبة فعلت، وعاد الرقم
للاتصال، فرد هو هذي المرة وتبين أنه قريبه على الهاتف، قال له متعذراً: "
لماذا ترقق صوتك، المدام ظنتك فتاة!" لم يستطع أن يوقف القاعة عن الضحك
لحظتها وربما كشف أمره، كانت هناك فتاة منقبة قبالتي، تقول "هذا شيخ ويكذب،
يجب أن انسحب من هذا المساق حالاً!". واستمرت المحاضرة.
الزكام يجعلني في هذي
الأوقات أشعر بالاختناق والدوار طوال الوقت، لكن خرجت لحدائق الجامعة كنت قد فكرت
أن لا أصرف شيء على الطعام وأوفر أكبر مبلغ، لكن لم استطع ذهبت لشراء بعض الطعام
وتوجهت للبركة، كان في ذهني أن أجري الكثير من المكالمات الضرورية، وفاجأتنا غارات
وهمية، كل هذا خلال تأملي للضفادع، وأخيرا مزيد من الطعام، ثم المحاضرة الثانية.
يبدوا أنني استطعت أن احصل على صداقة المحاضرة، وأعلم أنني أشعر بملل كبير بسبب حجم الفراغ الهائل في تلك المحاضرة، ولا أراني طالبة مثالية دون مشاغبات هنا وهناك ومع هذا أشارك وأعلق على كل صغيرة وكبيرة، قدمت لنا اليوم عرض عن الثقافة صديقة تسمى شروق أحرجتها بأسئلتي وناقشناها لاحقاً بعد المحاضرة، وأخرى شعرت ببعض الجفاء من طرفها، يبدو أن التجاذبات بين مجموعات الطالبات تؤثر عليها، ولا ألومها.
ووصلنا البيت، بقيت
أحاول أن أتوقع إن كانت الكهرباء موجودة أم لا لكن لا فائدة، أنا رغم توقعي لا
استطيع أن أجزم بشيء، درست أخويّ دون كهرباء وغالبت النعاس وما أزال، وهناك كابوس
في الأفق.
أنتظر الفرصة للحديث
عنه، إحداهن قالت لي كلمة قبيل بضعة أيام سببت لي توتر شديد إذ انها كيف تفكر
وتخاطبني بهذا الشكل، لكن لاحقاً تحاول ان تحزر سبب هذا التوتر والامتعاض وتخترع
سبب كارثي، بالمقابل لا استطيع أن أفسر أو أبرر لأن فيه تجاوز لخصوصيتي وحريتي
بالكلام، وللجميع الحرية بالاعتقاد، لكن ليست الاحكام القطعية والاتهامات الباطلة،
لا استطيع ولا يمكن بالمطلق أن أقبل الرد عليها وبذلك الأسلوب أيضاً.
نقطة أخرى، شخصياً لا
أعول كثيراً على الدرجات الجامعية ولكن يجب أن تكون بالمستوى الذي يجعلني أصل
للدراسات الأعلى منها، وهذا ما أعمله عليه، بالإضافة إلى أنني أول المعترضين على
نظام التعليم الحالي، وهو محور اهتمامي ودراستي، وقد كرست له جل وقتي بالمكتبة يوم
أمس، وأظنه فعلاً مشروعي الذي يستحق ان أكرس له ما بقي من سنين. في ظل وجود توقعات
جاهزة وقوالب جاهزة للفكرة عن درجة وعلامة معينة، وفي موقع غالباً بحجم المجتمع قد
يهمش جزء كبير من رأيك في حضور من هم أكثر رشداً منك ولهم كل الفضل، كيف سأوصل
فلسفتي بهذا الخصوص، بل كيف سأزف لهم نبأ بعض الدرجات السيئة، بل كيف سأقنع
الآخرين بأن ما وقع هو ظلم حقيقي وليس بيدي حيلة، وأنني لن أقبل بأن يقيمني أحد من
زلة وسقطة كان ليد أخرى يد فيها.
فيما يتعلق بهذا
الأمر، فقد حدثت محاضري أمس بخصوص إحدى الدرجات، وقال رامياً الكرة في ملعبي
ومخلياً نفسه من كل مسئولية أنني استحق الدرجة السيئة! وأعلم أنه من المعيب أن
أذكر أنه تكلم عن درجة أخرى تستحقها بيسان في يوم ما وكان هنالك شهود على قوله،
ولكن من المعيب أن أذكره، ومن الأفضل ان ابتلع تلك الخيبة في لحظتها، لكن الظلم
وخيبات وغصات أخرى لا استطيع أن اسامح عليها، وأنتظر أيضاً وبفارغ الصبر مراجعة
القسم بخصوص مراجعة لمادة أخرى، ومراجعة ثالثة. الغريب أنني أحاول أن أقلل علاقتي
مع قسم تخصصي ولكن يبدوا أن المشاكل لا تقع إلا فوقي وتريد أن تدفعني لأن أشارك
واقترب أكثر من القسم والعمليات الإدارية.
سأفقأ عين الوقت إن
تجاوزني.
قبيل عودة الكهرباء،
وقبيل وصول الباص للكراج، دارت بذهني كثير من الأفكار وأظنها منطقية، ولا أريدها
أن تهرب مني وقت الرخاء.
أولها أنني يجب أن
أعيد حساباتي بخصوص الجامعة، وتبين أنني سأتخرج قريباً وأرتاح، أحتاج عام فقط،
ولست بحاجة للإكمال في فرع التربية صدقاً، ثانيها أنني يجب أن أضع للتوتر حساب
وأحاول برمجته قليلاً لكن أخشى النوبة القلبية ففي الداخل هناك مستودعات هائلة من
التوتر، وإن فتحت الأبواب على مصراعيها سأموت على عتبة الامتحانات! أما ثالثها أن
أجعل نفسي كتاب أكثر انفتاحاً في المجال القريب على الأقل لأشعر من حولي بالاطمئنان
عليّ، وليفهموا بعض من عالمي البعيد كل البعد عن الكثيرين، ولأنني لا أريد أن
أتغير وأخسر ما بنيته في مملكتي، ولأنني أظنني على حق وأستحق أن أشارك في وضع حجر
في بيت العالم.
لذلك كان القرار أن
أحاول الليلة تحطيم جدار عمره عقدين، وأتمني لي التوفيق.
حرر في 9:57م
تمت المراجعة في 10:08 مع شعور بالحرية :)
تمت المراجعة في 10:08 مع شعور بالحرية :)